عبدالله خليفة الشايجي

عشية القمة العربية السادسة والعشرين في شرم الشيخ تأتي في مقدمة المستجدات المتسارعة ضرورة توحيد النظام الإقليمي العربي للمرة الأولى منذ عقود، تحت قيادة دول مجلس التعاون الخليجي بزعامة سعودية، وذلك لإعادة بناء هذا النظام العربي الذي يعاني من الفراغ والفوضى والتشظّي. وهذا قد يقود إذا ما تكللت المساعي بالنجاح لقيام تحالف خليجي- عربي- إسلامي هو الذي يتصدى الآن للمهمة في «عاصفة الحزم» التي فاجأت الجميع وخاصة إيران والحوثيين وعلي عبدالله صالح في اليمن. وربما فوجئت الولايات المتحدة و«الناتو» أيضاً، وحتى إسرائيل، بتركيبة وتنوع التحالف الذي يضم دولًا من باكستان إلى المغرب، وبقوة المشاركة والثقة ونجاح العمليات العسكرية في اليومين الأولين. وهكذا تمزج دول مجلس التعاون الخليجي قوتها الناعمة الوفيرة مع قوتها الصلبة العسكرية، ليجعل ذلك منها القوة الأكثر تأثيراً في النظام العربي. وحسناً فعلت السعودية والدول الخليجية بعدم الطلب من الولايات المتحدة المشاركة في عمليات القصف الجوي، حتى لا يُستغل ذلك بالزعم أنه «تآمر» وهجوم خليجي- أميركي على اليمن!

وكان لافتاً منذ فترة انتقاد الصحف الأميركية والفرنسية والبريطانية لسياسة إدارة أوباما، حيث ينزلق الشرق الأوسط نحو الفوضى وخيارات أوباما تجاه ذلك محدودة.

&

وتهدف «عاصفة الحزم» لحماية الشرعية في اليمن، ووقف تقدم الحوثيين، وإنهاكهم وجلبهم لطاولة المفاوضات في الرياض من موقف ضعف وليس من موقف قوة، دون إقصائهم أو إبقاء السلاح بأيديهم حتى لا يتكرر سيناريو «حزب الله» في لبنان. وتعمل دول مجلس التعاون على مشروع قرار في مجلس الأمن يدعم ذلك التوجه لحصار وإضعاف الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح.

أما الهدف الاستراتيجي لـ«عاصفة الحزم» فهو كسر الحصار الإيراني على دول المجلس، واحتواء وضرب توسع المشروع الإيراني الذي يتمدد على حساب الطرف الخليجي والعربي، ومنع سقوط اليمن في يد إيران. وجاء التدخل الخليجي ليؤكد أنه لن يُسمح لإيران بالتدخل في عقر دارنا. والملفت أن 90% من القدرات العسكرية المشاركة في التحالف هي قدرات سعودية- خليجية.

والتطور الأبرز الذي يدفع لشرق أوسط جديد هو نجاح السعودية في قيادة النظام الإقليمي والعربي سياسياً بتشكيل تحالف قوي ومتماسك من خمس دول خليجية، وخمس دول عربية أخرى، مع باكستان، للمشاركة في «عاصفة الحزم» ضد الانقلابيين الحوثيين المدعومين من طرف إيران، وتوجيه رسالة قوية لا لبس فيها لطهران التي فاخرت يوم سقطت صنعاء بأنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء). وهذا التمدد الإيراني بدون رادع، مدعوماً بتقارب أميركي- إيراني للتوصل لاتفاق إطار حول برنامج طهران النووي خلال الأيام القادمة يرفع العقوبات تدريجياً عن إيران ويعيد تأهيلها، شجعها على التمادي في اليمن وبحسابات خاطئة، فكانت القشة الت قصمت ظهر البعير!

ولهذا نشهد اليوم تغيراً استراتيجياً كبيراً يُعيد رسم الشرق الأوسط والمشرق العربي بالتحديد، ويُدخل لاعباً جديداً ينضم لمثلث القوى الإقليمية المؤثرة. ليصبح مستطيلاً يضم الطرف الخليجي- العربي، وخاصة أن هذه القوة العربية الجديدة تتزامن مع قرار القمة العربية بإنشاء قوة دفاع عربية مشتركة للتعامل مع التهديدات والاعتداءات على الدول العربية.

لقد أمضيت الفصل الجامعي الأول هذا العام أستاذاً زائراً في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية. والتقيت مع مسؤولين أميركيين سابقين ومديري مراكز دراسات استراتيجية وأكاديميين، ويبدو أنهم كانوا مقتنعين بأنه يمكن لإيران بسبب مشروعها وإمساكها بالعديد من الملفات، أن تحقق إنجازات على الأرض في الكثير من ملفات المنطقة! وذلك بعكس العرب وخاصة الخليجيين. ولكن خلال الأسابيع الماضية فوجئ الأميركيون، وحلفاء إيران، بعجزها عن تحقيق انتصارات. ففشل الحرس الثوري- وقاسم سليماني- والقوات العراقية، وقوات «الحشد الشعبي»، في هزيمة بضع مئات من مسلحي تنظيم «داعش» في تكريت، وتولت أميركا العملية على مضض بعد اقتناعها بعجز حلفائها. وفي اليمن أصيب حلفاء إيران الحوثيون في مقتل. وفي سوريا انتكست مساعي حليفها الأسد بخسارة مناطق في الجنوب. ولكن الصدمة الكبيرة تكمن في «عاصفة الحزم» التي اربكت إيران وحلفاءها من دول وغير دول. وكان ذلك واضحاً من الردود المتشنجة والمتهورة بفعل تأثير الصدمة، وشخصنه الهجوم وخاصة ضد السعودية قائدة التحالف.

وقد فوجئت الولايات المتحدة وإيران وحلفاؤها بأمرين، الأول نجاح السعودية السياسي بتجميع تحالف غير مسبوق ومتماسك لعملية «عاصفة الحزم». والثاني، وهو الأهم، شن هجمات وغارات منسقة وبقدرات تبرز تطور القوات المشاركة، دون طلب دعم ومشاركة الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة. ولذلك، وعلى رغم اصطفاف وتنديد إيران وحلفائها، بما فيهم الحوثيون والعراق وسوريا و«حزب الله»، إلا أن معظم الدول العربية تدعم هذه العملية باعتراف أمين عام الجامعة العربية. ولذلك من المهم أن تحقق العملية العسكرية أهدافها الاستراتيجية باحتواء التمدد الإيراني، وإعادة توازن القوى، وردع المحور الآخر. وإعادة الشرعية في اليمن ومنع نفوذ معادٍ لدول الخليج في العمق الاستراتيجي لدول المجلس. وللتأكيد أيضاً للمشككين أنه قد بزغ نجم جديد في المنطقة، يشكل أغلبية دولها وأكثرها تأثيراً ونفوذاً وقدرات. كما يحرج هذا الحلف أيضاً التنظيمات المتطرفة والإرهابية ويحرمها فرصة الزعم بأنها «نصير» المسلمين الوحيد. وهذا الحلف يدشن لنظام عربي جديد يعزز ثقة العرب في أنفسهم ويحتوي ويردع الخصوم الخارجيين.
&