&عبد الله القفاري


&

وإذا كان من اللافت الذي لا يجب تجاوزه.. ذلك التلاحم الشعبي الواسع مع عملية «عاصفة الحزم». وفي أزمنة مواجهة المخاطر الكبرى، حيث تظهر معادن الشعوب، وتظهر تلك اللافتة التي لا توحي بشيء أكثر من أنها شعوب بذل وعطاء وانتماء. فما علينا سوى أن نعزز هذه النزعة الرائعة..
&

&

لم تكن ليلة الخميس الماضي ليلة عادية في عمر السعوديين والخليجيين بل والعرب. "عاصفة الحزم" حصدت تفاعلات لا يمكن الا ان توصف باستعادة الثقة بالذات والحماس الطاغي لمتابعة تطورات أصحبت جزءا مهما من تاريخ المنطقة.

لا يوجد عاقل يتمنى الحرب.. إلا ان "عاصفة الحزم" كانت عاصفة لابد منها في خضم تطورات كبيرة كان يمكن أن تودي الى مجاهل ومخاطر يدرك ابعادها كل ذي عينين في منطقة تنام منذ عدة سنوات على كوارث وحروب ومواجهات عنيفة.

وظيفة هذ المقال، ليس تتبع أحداث تلاحقت تطوراتها، إنما هو قراءة في ظلال حالة تتشكل بلا لبس، وحضور يتطلب المزيد من التطوير لمواجهة تحديات ومخاطر، وتطورات في مشهد استدعى هذا التحالف الذي يقود اليوم عملية دعم الشرعية في اليمن.. قبل أن تبتلعها مليشيات الحوثي والمتحالفين معها برعاية ودعم من النظام الايراني.. الذي يستهدف تطويق دول الخليج العربية.

تحيط بالمملكة ودول الخليج العربية مخاطر لابد من مواجهتها بحزم، وبأدوات كفيلة بنقل هذه المنطقة إلى عهدة الحماية الذاتية.. ولن يكون بعد اليوم سوى هذا الطريق، بعد ان اتضح ان تلك القوى الكبرى في عالم اليوم ..لا تحترم سوى الاقوى، والقادر على حماية مصالحه والدفاع عنها.

"عاصفة الحزم" و"حزم العاصفة" .. عنوان جديد ومرحلة جديدة لقلع الشوك بأيدينا.. إنه المشروع الذي كنا مؤهلين له، وها هي تظهر مؤشرات توحي بأننا امام إرادة سياسية تملك القدرة والتصور والحكمة، لتقرر في اللحظة المناسبة أننا نقوى على حماية مصالحنا ولن يثنينا عن حماية انفسنا واخواننا مخططات التفتيت والإضعاف القائمة على قدم وساق في المنطقة العربية.

هذا الاجماع الشعبي الكبير حول عملية "عاصفة الحزم" يدل على شيء مهم وكبير. إنه ذلك الاستعداد للانخراط في مشروع الدفاع عن بلدنا بأنفسنا امام هجمة ايرانية شرسة.. لم تترك أرضا عربية خلال السنوات الماضية إلا وحاولت ان تجعلها موطئ قدم لها.. لتعظم ذلك الفرز الطائفي وتثير التوترات وتعزز الانقسام، وهي ترمي لمعركة طويلة لن نكون سوى حطب فيها ووقود لديمومتها، حتى نفقد القدرة في الحفاظ على الحد الادنى من مقومات الوجود.

المعركة اليوم في اليمن ليست فقط لمواجهة مجموعات الحوثي والمتحالفين معه، والتي ما كان لها ان تقوى وتتمدد وتفرض حضورها في اليمن.. سوى بمدد ومخطط من النظام الايراني.. ولم يكن لها ان تصل الى صنعاء لتخطف رئيسا ونظاما وإرادة شعب.. لولا ذلك التآمر من رئيس خلعه شعبه ليعود ويزرع الارض اليمنية بالمكر والتآمر للبقاء في سدة حكم على أنقاض شعب يعاني الأمرين.. مرارة الحرمان والفقر.. ومرارة التجهيل والجهل.

وهنا درس آخر، يجب ألا يمر دون توقف وإعادة قراءة.. إنه الدعم الذي تحظى به قيادات لا يصل منه شيء الى شعوبها، انما كان تقوية لوجه الدكتاتور الذي يوظف تلك الاموال في شراء الذمم وبناء قواه على اشلاء شعب اضناه الفقر والجوع والجهل.. ثم يبرع في قلب ظهر المجن لمن ساعده وسانده عندما تتغير معادلة المصالح حتى لو ارتمى في حضن أعداء شعبه.

أما الدرس الأكثر أهمية، والذي يجب ان نعاود قراءته وبحث وسائل الافادة منه وتوظيفه لحماية بلدنا وشعبنا.. فلن يكون سوى .. "عليكم ان تنزعوا الاشواك بأيديكم" .. فلا مكان اليوم سوى للأقوى.. اقتصاديا وعسكريا وبناء مجتمعيا.

أتفاءل بوجود قادئد شاب مثل سمو الامير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع يعمل تحت عين ومتابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز... وهو محاط بخبراء وعسكريين كبار يدركون معنى ان تكون المملكة قوة ضاربة قادرة على حماية نفسها ومواجهة ألد اعدائها في المنطقة إذا لزم الأمر.

والمملكة لا تنقصها مقومات القوة والنمو والتمكين.. المال والانسان هما قوام تلك القوة.. فبلد العشرين مليونا ويزيد.. وغالبيته من الشباب.. يُمكِّن من توفير طاقات بشرية قادرة على الانخراط في مشروع عسكري كبير.. لا يتوقف عند حدود التوظيف والتدريب، ولكن يتجاوزه الى بناء قوة ذاتية ضاربة تملك صناعتها العسكرية، وتوظفها لخدمة مشروع الحفاظ على الامن الوطني وبناء الانسان وتوفير المزيد من مقومات الحياة المرحلية.

المملكة العربية السعودية.. قارة كبيرة، وبمقدرات عظيمة.. قادرة على صناعة أكبر ملحمة لبناء قواها العسكرية خلال سنوات قليلة.. ولا ارى هذا الحماس والاندفاع للعمل والمثابرة من قبل الأمير الشاب محمد بن سلمان وزير الدفاع، سوى مؤشر مهم على امكانية ان نكون حقا، في زمن لا مكان فيه للأضعف ولا مكان فيه لمن يرمي بأوراق أمنه ومستقبله في حضن قوى كبرى لها مصالحها، وحساباتها وهي تحترم الاقوى دائما .. مهما بدت العلاقات الدولية تحمل من عناوين قد تبدو خادعة أو تدعو للاسترخاء، بينما النار تحرق الاخضر واليابس من حولنا.

كان على دول الخليج العربية، ان تنزع الشوك الذي لحق بخاصرتها الجنوبية بأيديها.. تلك هي رسالة عاصفة الحزم. وهي تدرك انها اليوم في موقع لا يسمح لها إلا أن تحمي سفينتها بنفسها، مهما كانت ضمانات الحماية، التي يمكن ان تتغير بتغير الظروف والتطورات التي تقدم كل يوم مؤشرا جديدا على ان الثقة بالذات، والعمل الدؤوب لتمكينها، هما الطريق الأكيد لحماية النفس ورعاية المصالح والذود عن البلاد.

وإذا كان من اللافت الذي لا يجب تجاوزه.. ذلك التلاحم الشعبي الواسع مع عملية "عاصفة الحزم". وفي أزمنة مواجهة المخاطر الكبرى، حيث تظهر معادن الشعوب، وتظهر تلك اللافتة التي لا توحي بشيء أكثر من أنها شعوب بذل وعطاء وانتماء. فما علينا سوى أن نعزز هذه النزعة الرائعة.. لا من خلال الشعارات وحدها، ولكن من خلال عمل آخر يعظم مكتسبات المواطنة، ويعظم الثقة بحضور هذا الانسان حقوقا وواجبات.. ويجعلها - أي المواطنة - معنى كبيرا في عقل جيل هو المعول عليه في حماية بلاده ومصالحه والذود عن حياضه.

وإن من اخطر العناوين التي تظهر في عاصفة الحزم تلك النزعة لدى البعض لتحويل المشهد من مشهد مدافعة عدوان إيراني يتمدد وينذر بالخطر على مستقبل العرب ومن نصرة للشرعية المنتهكة في بلد شقيق.. الى مشهد صراع طائفي. ولنا غنى عن تلك الدعوات التي تفت في عضد الوطن من خلال التأكيد على أننا لا نخوض حروبا طائفية، ولكن نواجه عدوانا يوظف وجه الطائفة ليحقق من خلالها أهدافه في الاستحواذ والسيطرة والهيمنة و ما هو أبعد.

وبقدر ما يجب ان نعنى ببناء قوة عسكرية ضاربة، مؤهلة بالعلم والخبرة والتدريب الجيد والتصنيع العسكري المتقدم.. لتكون عنوانا للقوة في المواجهة والردع.. يجب ان نولي الجبهة الداخلية ذات الاهمية.. ولن يكون ذلك الا من خلال إغلاق منافذ الاضعاف.. ودرء محاولات التقسيم تحت شعارات طائفية او سواها. والعمل على المبادرة الوقائية إلى ما يمكن أن يلقي بظلاله لما يمكن استغلاله ايما استغلال في ظروف نحن أحوج ما نكون فيها للوحدة والتماسك أمام مواجهة اخطار خارجية جسيمة.

إننا جميعا في سفينة وطن، وعلينا أن نعزز بنيانها، وعلينا ايضا أن نمنع ما قد يحدث فيها من ثغرات.
&