سمير عطا الله

كان في إمكان الرئيس الروسي أن يتجاهل انعقاد القمة العربية. همومه كثيرة وما من عاتب عليه. غارق في أوكرانيا، وشعبيته في الداخل أدنى من أي وقت مضى، واقتصاد روسيا يذكِّر بأيام السوفيات، والروبل يترنح. والرجل الذي محا غروزني، وهاجم جورجيا وأوسيتيا الجنوبية، وضم القرم، وأرسل المظليين والثوار إلى ما بقي من أوكرانيا، خطر له أن يعطي القمة العربية درسا في الشرعية. أعطاه الأمير سعود الفيصل درسا في لياقات الحد الأدنى.


خلاصة الدرس: فخامتكم مُسبب أساسي في محنة هذه الأمة. فرجاء لا تعظنا بالحلول. لا ندري ما الذي حمل فلاديمير بوتين على مخاطبة القمّة، فالدولة الوحيدة التي يهتم لها غائبة عنها بكل أسف وأسى. أي سوريا. والدول الحاضرة حاولت إقناعه ببذل الحد الأدنى من الوساطة في المأساة السورية، وكان دائما يهز رأسه إلى فوق. وفي المراحل الأولى من الأزمة، كان العرب يعتمدون على موسكو في استخدام ثقلها في دمشق من أجل الوصول إلى حل، ورد المزيد من الآلام والخراب. لكن وزيره أغرق سوريا في تفسير البنود وترقيم المؤتمرات.


وما من أحد يلوم بوتين على خياراته السياسية. هذه دولة كبرى ولها حساباتها. وهي وحدها سوف تتحمل نتائج هذه الحسابات المخلخلة في كل مكان. لكن المشكلة أن بوتين قرر أن يعطي الآخرين دروسا في الحساب، وفي الصح والخطأ، وفي مبادئ الشرعية، هو الذي دخلت دباباته أربع دول مستقلة على الأقل لتُحارب وتدمّر وتحتل العواصم. بعث بوتين برسالته إلى قمة شرم الشيخ، فيما كانت محنة سوريا تدخل عامها الخامس. حرب، الجميع فيها خاسرون والجميع فيها مشردون. وضحايا الحرب من جميع أهل سوريا وديارها. والوحيد الذي كان قادرا في البداية على تدبير حل سياسي هو كاتب الرسائل إلى القمم. إلا أنه اختار أن يحوِّل سوريا إلى مسرح للصراع مع الأميركيين. وبدل أن يرى في التفجير مقدمة لأزمة عالمية، رأى فيه سانحة للثأر والانتقام. ورأى في ضعف أوباما فرصة للانقضاض، بدل توسيع رقعة الانفراج الدولي.


عندما بدأت المحنة السورية قبل أربعة أعوام، كانت روسيا في موقع دولي لم تعرفه إلا نادرا. ازدهار في الداخل، وحضور خارجي ممتاز. وكان بوتين يبدو أكثر مصداقية من ندّه في البيت الأبيض. وبدا أن نجاحه أنسى الروس والعالم لعبة المداورة المسلية بينه وبين رئيس وزرائه ميدفيديف، الذي لا ينادى عليه إلا عند الحاجة. لكن فجأة يخطر للدب - كما سمى نفسه مرة - أن يقتحم متجر الخزف. يحسب في البدء أنه لن يدمر سوى إناء أو اثنين، لكنه لا ينتبه إلى بعض الوقائع: هشاشة الخزف وضيق الممرات وحجم الدببة. وبعد أن يرى ما حدث ويتأكد مما فعل، يقرر التحدث عن تجربته وإعطاء خلاصاتها للآخرين. يقف عند نافذة الكرملين ويملي رسالة إلى صاحب المحل، ينصحه فيها كيف يحافظ على رزقه في المرة التالية.