عبير العلي

تم استخدام الحوثيين كفئران تجارب من قبل إيران لمحاولة توسعها في المنطقة، وحينما حصحص الحق ببدء عاصفة الحزم تخاذلت طهران، ولا أظن أنها تملك الشجاعة لأن تقف مع الحوثيين ضد التحالف الخليجي العربي

&


لم تكن اليمن يوما في ذاكرتنا منذ الصغر إلا أنموذجا للعروبة والقوة والسعادة، حتى أن خاطرا من الفرح والسكينة يلم بنا ونحن نلتقي أو نتحدث مع من قال عنهم الرسول الكريم: "أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوبا وألين أفئدة". هذا اللين والعاطفة الرقيقة التي تظهر في شعرهم وغنائهم وعلاقاتهم الإنسانية لم تتعارض يوما مع الشجاعة والنخوة المعروفة عن أهل اليمن. ولكن الأحداث في السنوات الأخيرة أظهرت جيلا من اليمنيين لا يشبه أسلافه في رقته ونخوته، تشوه لحق بشخصية اليمني الأصيلة، فنراه يستسهل مد يده لحزام ناسف ثبت على جسده برضاه ليقتل شقيقه في الوطن أو يطلق الرصاص عليه دون تردد. هذا اليمني المقصود هو ما يعرف بالحوثي الذي لا يعتبر غريبا في التنوع المعروف في اليمن وليس بطارئ عليه، بل هو مكون أساسي في المجتمع اليمني منذ مئات السنين. تشكل بهذا الاسم التنظيمي لحركة أسسها بعض طلاب العلم الزيديين وأصبح لها قادة وشعار، ونوايا وأهداف، وخاض مع الحكومة اليمنية عدة حروب معروفة.


حينما هبت رياح "الخريف العربي" في اليمن وخُلع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح بدأت تزداد مطامع الحوثيين السياسية التي تتصف بعدم النضج والسذاجة، ساعدهم في هذا التوسع عدة أمور، منها ضعف القوى القبلية التي يُعرف أن لها يدا قوية ومباشرة في اليمن ومصالحه، والأهم تلقي الحوثيين للدعم المعنوي والمادي من قوى خارجية تحمل نفَسا طائفيا. هذه المساندة الخارجية المتمثلة في إيران هي من جعلت الحوثيين يتورمون أكثر ويستغلون الأحداث التي عصفت بالبلاد لصالحهم ويتقدمون نحو صنعاء الذي لم يخل الطريق إليها من بعض التواطؤ والتعاون من الرئيس السابق وغيره، والذي هدف بتعاونه مع الحوثيين إلى الإطاحة بألد أعدائه القبليين في الجيش، وهذا ما حدث بالفعل، وهو لم ير في هذا بأسا أن يتعاون معهم في سبيل العودة لمقعد الرئاسة!
لم يتوقف تمدد الحوثيين بعد صنعاء، بل استمروا في التوسع حتى الوصول إلى باب المندب وهم يحملون شعاراتهم الطائفية والمعادية، ويحاولون استغلال ثقة المواطن اليمني البسيط بإمكانية إنعاش الوضع التنموي والاقتصادي المتهالك في اليمن. واستطاعت هذه الميليشيا المكونة من بضعة آلاف أن تتفوق على الجيش برمته وعلى محاولات المصالحة الوطنية، واليمنيون أنفسهم يعلمون الأسباب الأخرى الخفية التي ساعدت الحوثيين على التوسع والتمادي، مع عامل الدعم الذي يتلقونه من إيران التي تسعى بكل خبث لأن تترك لها أثرا وحضورا طائفيا في المنطقة، كما فعلت في العراق وسورية ولبنان.


في عام 2009 تجرأ الحوثيون على الحدود السعودية ولقيهم وقتها ما لقيهم من هزائم يستحقونها مقابل حماقة هذه المغامرة. وخلال الأسابيع الماضية لم تتوقف مناوراتهم بالقرب من الحدود السعودية وكأنهم يمتحنون صبر الجارة الحكيمة التي لم تحرك ساكنا طوال فترة إسقاطهم للعاصمة صنعاء وما تلاها من أحداث باعتبار أنها شؤون داخلية تعني اليمنيين بالمقام الأول. ولكن حينما استنجد الرئيس عبد ربه منصور هادي بدول الخليج عدة مرات، مع وجود المبررات التي وضحها البيان الموحد الصادر من دول الخليج العربي ما عدا عمان؛ استيقظ العالم على خبر الضربات الجوية لمعاقل ومصالح الحوثيين ومواليهم في اليمن والتي اختار لها الملك سلمان بن عبدالعزيز وصف واسم "عاصفة الحزم"، بمشاركة دول خليجية وعربية، وبمباركة وتضامن ودعم دولي كبير يؤكد مشروعية هذه الضربات في القانون الدولي، وأحقية أن تحافظ السعودية على حدودها من أي تهديد محتمل من ميليشيات الحوثي.


منذ بدء الضربات الجوية على حوثيي اليمن لم تقم إيران بأية ردة فعل، وهي التي كانت تعمل مسبقا على زيادة تورم الحوثيين الحركي وتتقاطع معهم في شعاراتهم الجوفاء وفي بث الطائفية في أرض تتعايش مع كل مكوناتها بتصالح وسلام؛ بل باعتهم بخبث ودهاء المفلس الذي لمّعه إعلامها المحلي والخارجي وتلقفه إعلام الدول الأخرى وجعل منها قوة مهابة، وهي في واقع الأمر استخدمت الحوثيين كفئران تجارب لمحاولة توسعها في المنطقة وحينما حصحص الحق ببدء عاصفة الحزم تخاذلت ولا أظن أنها تملك الشجاعة والجرأة أن تقف مع الحوثيين ضد التحالف الخليجي العربي، ولا أن تُقامر بصفقاتها النووية السرية مع دول العالم الكبرى مقابل الانتصار لهم، خاصة أنها مشغولة الآن مع انتصاراتها في الأراضي العراقية والسورية.


الإعلام الحوثي المهزوز يروّج تبريراته بأن قتلهم لأشقائهم اليمنيين يأتي تحت ذريعة محاربتهم للتكفيريين والدواعش، ويستخدم هُتافات الموت لإسرائيل وأميركا كمحاولة لاستنهاض الروح الحماسية لدى الشباب لمساندتهم ودعم تحركاتهم اللاشرعية. وأي محاولات سابقة أو لاحقة لخطب ودهم أو التحاور معهم ومع المخلوع علي عبدالله صالح وأعوانه لن تُجدي نفعا كما يعلمنا التاريخ. والحلف الخليجي العربي بشجاعته وحزمه فاجأ العالم وأذهله بتمكنه وقدراته السياسية والاستخباراتية والعسكرية، وقدم درسا نافذا لمن يتهاون بمقدرات هذه البلدان، والأهم أنه أعاد الحياة للدول العربية، ورأيناهم يجمعون رأيهم وقواهم لمصالحهم الخاصة دون إملاء أو تدخل من دول أخرى.


ما ينبغي التنبه له الآن في هذا الوضع الحرج للمنطقة العربية عامة والسعودية خاصة؛ أن الحوثيين عبارة عن ميليشيات تفتقد للتنظيم وإن ادّعته، واعتادوا في أوكارهم على مناورات الطيش وحروب العصابات، والسيطرة على مواقعهم بالوسائل المتطورة والرادارات الدقيقة جوا وبحرا أمر في غاية السهولة، ولكن إن انتقلت الحرب لرؤوس الجبال الصعبة فإن الحديث هنا سيختلف، وعاصفة الحزم ستُصبح ريحا صرصرا تترك الأعداء خواء، لكن ينبغي إضعاف قواهم تماما قبل هذا السجال.
&