عبدالحق عزوزي

النظام العالمي اليوم لا يسمح بارتجالية وسكون الدول الإقليمية المحورية، ولا بالتشرذم والهوان، فالوحدة والقوة والمنعة هي القواعد الأساسية للتواجد العقلاني بين الأمم، وهي التي تجعل التأثير الحتمي للتحولات الدولية عليها محدوداً ونسبياً، بل وتحملها على التأثير في النظام الدولي مبادرة وعلى الحد من تأثرها بتحولاته دفاعاً. فمحنة الوطن العربي مستمرة ولا تخفى على كل متتبع لبيب، وهو موجود في موقع جغرافي حساس بمعطياته الجغرافية والاقتصادية والدينية، وعناصر القوة التي بحوزة لاعبيه الكبار للدفاع عن ذلك الموقع متواجدة إذا دخلت تلك الدول في منطق الوحدة والقوة والمنعة.

&


وأظن أن عملية «عاصفة الحزم» في اليمن التي تقودها المملكة العربية السعودية بمشاركة العديد من الدول بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة والمغرب، من أجل دعم الشرعية في اليمن، هي من أول تجليات هذه القوة الممكنة وإمكانية تأسيسها.. فالعملية ليست لإنقاذ اليمن وحده، بل لإنقاذ المنطقة بأكملها، بعد أن أضحت إيران تجاهر علناً بأنها تراقب وتوجه أربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء.. بمعنى أن القشرة الحامية للدول ستزال بالمرة، وأن المذهبية التصارعية هي التي ستكون القاعدة الموجهة لما تبقى من الدول والمؤسسات.. وهذا التوجه الفتاك هو الذي أوجد «داعش» وخرّب الأوطان، وشرد الملايين من الناس، وتداعت على الشعوب جماعات وأفراد ودول كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وأدخلت دولًا في أنفاق طائفية مظلمة. فليس هناك أخطر من تفجير التناقضات في البنية الاجتماعية في دولة من الدول، وليس هناك أخطر من تمزيق النسيج الاجتماعي للأوطان، وهو ما تعيشه اليوم دول كسوريا والعراق واليمن، يجري تحريكه وإذكاؤه وتمويله إيرانياً.

وأي مشروع وطني يستحيل أن يتولد من مشاريع طائفية، إطلاقاً وذلك من باب المستحيل! حتى يمكن أن نقول إن مكفنه ومدفنه يكون بالذات من تلك المشاريع الطائفية. والطائفيات لا تبني أمماً ولا أمصاراً ولا تؤسس لدول ولا لجماعات خاضعة لسلطة مركزية واحدة وإنما تهدم المؤسسات وتهمش الخصوم وتنهب الثروات وتنفرد بالسلطة وتحوّل مجرى الصراعات السياسية إلى حيث تصب في خيار الحرب الأهلية، ولا ننسى أنها تستقوي بالخارج كإيران أو بعتاد وأسلحة منظمات التكفير والإرهاب.

العراق منهمك في تركة نوري المالكي التي جعلت الدولة لحد الساعة مرهونة بالقيود الطائفية والتمددات الإرهابية والتدخل الإيراني.. ولبنان ما زال دولة من دون رئيس (أكثر من مائتي يوم والدولة من دون رئيس لأن تجمع 8 آذار الذي يقوده «حزب الله» يمتنع عن حضور الجلسات في البرلمان)، وليبيا تعيش شبح حرب أهلية أتت وتأتي على ما تبقى من الأخضر واليابس. وتونس بعد أن صفق لها كثيرون على شجاعتها السياسية وبداية تثبيت مؤسساتها الديمقراطية، أتى الإرهاب الغاشم على رئة الاقتصاد التونسي وهي السياحة لتوقيف شرايين التنمية، ومن خلال ذلك كله زعزعة الأمن وقواعد السياسة في البلد. كما أن الحرب على «داعش» ومواجهة التنظيمات المسلحة والإرهابية ووصول عدد اللاجئين السوريين إلى أكثر من اثني عشر مليوناً، هي عموماً الحالة الخطيرة والمزرية التي وصلت إليها بعض الأوطان العربية في المشرق كما في المغرب العربي.

والراهن أن القمة العربية التي اجتمعت في شرم الشيخ كانت أمامها هذه الملفات، وهي ملفات ملتهبة وصعبة ويستحيل تبني قرارات بالإجماع حيالها، كما هو شأن باقي التكتلات الإقليمية القوية كالاتحاد الأوروبي... فعندما تثار مشاكل داخلية أو إقليمية، كالمشكل الأوكراني مثلًا، فالقادة يجتمعون في ظرف قياسي ويأخذون قرارات واحدة وملزمة.

ومن هنا كانت عملية «عاصفة الحزم» لإجهاض الانقلاب الحوثي على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولوضع اليمن على السكة الصحيحة لتجنيبه متاهات الحرب الأهلية، والإعلان أن أمن اليمن وأمن دول مجلس التعاون الخليجي هو كل لا يتجزأ، وتواجد المغرب، وهو دولة مستقرة سياسياً ومؤثرة استراتيجياً ودبلوماسياً وعسكرياً، إلى جانب أشقائه في دول الخليج على رغم البعد الجغرافي، هو استراتيجياً مسألة تمهد لفكرة لطالما راودت الجميع وهي إقرار العرب بتشكيل قوة ردع عربية للتدخل السريع. وإذا ما تم ذلك فإن المنظومة العربية ستتقوى بوحدة وقوة ومناعة دول محورية يمكنها أن تقود السفينة، وتؤسس لقوة ردعية عسكرية عربية دائمة يمكنها أن تعيد الاستقرار والأمن في ليبيا وتستطيع أن تحقن الدماء في سوريا.
&