سمير عطا الله

تمتلئ تلفزيونات لبنان بقارئي الطالع. ليس للأفراد، فهم غير ذوي أهمية، وإنما للدول والأمم والشعوب وبورصات العالم. ويقول الكاتب الليبي الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، إن ليبيا كانت تمتلئ في الماضي بالحواة و«أطباء» الأحياء يوم كانت البلاد غارقة في الفقر والبساطة، لكن ماذا يبرر اليوم كل هذا الكم من الخرافات وتجارة الجهل؟ في مصر نحو 350 ألف «عجائبي» يطردون الشياطين، ويشفون المرضى، ويمطرون الدنيا عرسانًا، كما كانت تغني صباح: «يا ربي تشتي عرسان، ت يلحقني طرطوشي».


يفوت الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه أن الماضي كان فقيرًا، لكنه لم يكن متخلفًا. الماضي كان فقط بسيطًا، أما الجحيم فهو ما نحن فيه اليوم. متى في السابق كان يذبح الرجل بمنشار خشب كما فعلت «داعش» بأحد اللبنانيين في عرسال؟ ومتى كانت ليبيا حروبًا من أقصاها إلى أقصاها؟ ومتى كان أهل بنغازي لا يستطيعون النوم أو السير في الشوارع؟
في أزمان مثل هذه، يدب اليأس في النفوس ويهرب الخائفون إلى الخرافات والأساطير، ويرمون آمالهم على طاولات العرّافين ويصدّقون الزهر والنرد أكثر مما يصدّقون العلم. إن العلم سوف يدلّهم على الواقع والحقيقة، ومن منا يقوى هذه الأيام على النظر إلى الحقائق؟ وإذا تطلع، فكيف يمكن له أن يصدّق هذا الكابوس؟ لذلك، يترك الأمر إلى العرافين، يقرأون له طالعه وطالع أمّته وحركة الكواكب وأحوال الفلك.


ولدت «تنبؤات» نوستراداموس من مشاهداته لما فعل الطاعون بأوروبا. كيف له أن يتوقع فرحًا أو عمارًا؟ كيف له أن يتوقع ظهور باستور، أبي التلقيح، وفليمنغ، مخترع البنسلين، واختراع الأسبرين ومسكنات الآلام، وعصور الرخاء والكفاية، وتراكتورات الزراعة والحصاد، والهاتف والراديو، والسيارة والطائرة؟ نظر حوله فلم يرَ سوى الموت، فتوقع الطاعون لجميع الأزمنة. لم يتوقع أن يلغي العلم الطاعون والجدري والملاريا ويحاصر إيبولا.


ماذا يمكننا أن نتوقع إذا نظرنا حولنا ورأينا رؤوسًا تُحَزّ «لايف»، ودولاً تنهار، وشعوبًا تُطرَد من بيوتها، و«زعماء» ينظرون إلى أهلهم كالبعوض، وحواة سياسة لا يجيدون إلاّ الرقص مع الثعابين، ويعلنون بكل بساطة «تصفير العداد»، كأنما الوطن مجرد راحلة لم تعُد تقوى على السير بهم، فتقرر إطلاق رصاصة الرحمة عليها؟ سامحوا العرافين. أنا أفضّل أن أكون مغفلاً على أن أكون شريكًا.