إدريس الدريس

جاءت عاصفة الحزم بعد أن أذعنت كل القوى الإقليمية والدولية بسلامة موقف المملكة، وحقها في الدفاع عن نفسها، وفي المقابل فقد أذعنت بحق اليمن الثابت لعودة شرعيته

&


لا شك عندي أن "عاصفة الحزم" ستدرس في الكليات العسكرية والمراكز الاستراتيجية من حيث التخطيط المتأني والرصد المدروس والتحري العميق خلال أشهر لمواقع ومفاصل العدو ومناطق قوته ومواطن ثغراته.


إذ ساد هذا التخطيط والرصد تكتما صارما بحيث لم تتمكن أجهزة الاستشعار الاستخباراتي لأميركا أو روسيا من اصطياده، وكانت في كل حروب المنطقة السابقة تتسرب بعض التقارير التي تشير إلى حجم الاستعداد، بل وتتمكن من شم رائحة النوايا الحربية عندما تفوح رائحة الطبخة، لكن عاصفة الحزم على العكس من ذلك كله، فقد جاءت مفاجأة صاعقة لكل القوى الإقليمية والدولية الطافحة في البحار أو المستقرة في البراري، ولم تستطع كل الرادارات وأجهزة التحري الثابتة والمحلقة من فك الشفرة، وهذا الإنجاز تفوق سعودي لافت في هذه المنازلة التي جاءت ساحقة وماحقة لكل مضادات العدو في وقت قياسي غير مسبوق "15 دقيقة".


صحيح أن الرياض خلال الشهر الماضي تحولت إلى محطة استقبال وتوديع لأفواج الرؤساء والقادة من الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي أو الأشقاء العرب، أو من الأصدقاء في تركيا وباكستان وغيرها من الدول الصديقة، كما أن المملكة ابتدرت الاستعداد بتوجيه التحذيرات المتتابعة لفصائل الحوثيين الذين لم يلقوا بالا واستمروا في غيهم يعمهون، ولا شك أن المملكة استشعرت كما استشعر كل الأشقاء والأصدقاء حجم المخاطر والاستهدافات الواضحة لأمنها واستقرارها، من خلال الزحف المتتابع للحوثيين على المدن اليمنية وصولا إلى عدن، ثم مضيق باب المندب ورصدها للسفن الإيرانية التي تكب السلاح وقطع غياره عبر سواحل بحر العرب.


وكل هذا هو ما جعل العالم على اطلاع ويقين بما يشكله الزحف الحوثي المدعوم من إيران من خطر على المملكة.


وبالتالي فإن ذلك كان سببا في توالي وتتابع الدعم والتأييد الفوري الذي استتبع انطلاقة عاصفة الحزم.


لقد نجحت المملكة وهي تحضر لهذه العاصفة من خلال الاستدراج الذكي لهذه القوة المغرورة التي وجدت أن الطريق إلى أهدافها ممهد وميسر، وهذا ما دعا هذه الميليشيات إلى الانقلاب على الدستور وتعطيل البرلمان، ومحاصرة الرئيس الشرعي والاستيلاء على المرافق والقطاعات الحكومية العسكرية والمدنية، وكانت كل هذه التجاوزات والمخالفات الخارجة عن النظام الدستوري والحكومة الشرعية مسجلة كمآخذ لا يقرها النظام ولا الأعراف الديبلوماسية، ولا القوانين الأممية، وكانت كل هذه الخروقات مسجلة وموثقة لدى المملكة كإدانات بحق ميليشيات الحوثيين التي تجد دعما بريا وبحريا وجويا من إيران، وهو ما تم رصده وتوثيقه أيضا وما استتبع ذلك من خطر التمدد ومحاصرة عدن في محاولة للانقضاض على الرئيس الشرعي لليمن، ثم ما يشكله ذلك لو تم من خطر يهدد المملكة في خاصرتها الجنوبية.


ومن هنا، جاءت عاصفة الحزم بعد أن أذعنت كل الدول والقوى الإقليمية والدولية بسلامة موقف المملكة، وحقها في الدفاع عن نفسها أمام المخاطر التي صارت موجهة إليها، وفي المقابل فقد أذعنت بحق اليمن الثابت لعودة شرعيته التي حاولت ميليشيات الحوثي نزعها بغير وجه حق.


لقد نجح الاستدراج والتخطيط الهادئ والنفس الطويل والحنكة السياسية في إدارة العاصفة بحزم وعزم وغرم لا يلين، في الحفاظ على وحدة اليمن الشقيق وحماية حدود المملكة الجنوبية من التطلعات والنزوات الثورية الغاشمة.
&