طلعت رميح


يظل البعد الثالث في عاصفة الحزم هو البعد الأبعد أثرا في حسم معركة وقوف المجتمعات والدول على أقدامها، ومنع الانزلاق إلى وضعية الاضطراب السياسي والمجتمعي العنيف، الذي يدفع الدول العربية دفعا إلى التدخل العسكري لحماية الشرعية وإعادة الاستقرار. وهو البعد الذي يحقق المنعة ضد كل محاولات الاختراق الخارجي سواء كان إيرانيا أو غربيا أو حتى صهيونيا. ذلك أن العمليات العسكرية تتعامل مع نتائج الاختراق وتهدف إلى إعادة الأمور لما كانت عليه، فيما تحقيق المنعة ضد الاختراق ووأد محاولات إيصال المجتمعات إلى النقطة لا يمكن حلها إلا بالعمل العسكري، ليس عملا عسكريا ولا أمنيا ولا استخباريا، بل هو عمل سياسي ومعرفي وفكري وحقوقي ومجتمعي، يتعلق بتحقيق العدل والتصدي لمنظومات الفساد وتحقيق الحرية والديمقراطية وبناء الدول على أسس وطنية تعددية حقيقية لا هزلية، وهو ما يحقق قوة الدولة وقوة وتماسك المجتمع.


الآن تستمر المعركة ضد الحوثيين وصالح ومجموعات المصالح المرتبطة به. القصف الجوي متواصل والمقاومة الشعبية تواصل دورها، ومجموعات القبائل المسلحة تحتشد، فيما تتنامى وبشكل فاعل عمليات إعلان الولاء للشرعية داخل صفوف القوات المسلحة اليمنية، وعلى الصعيد السياسي تتنامى عمليات تشكيل إدارة الدولة ومؤسساتها، وعلى الصعيد الدولي فقد صدرت القرارات الدولية التي تحاصر الحوثيين ومجموعات صالح، وهكذا تسير العمليات العسكرية مستندة إلى تطورات سياسية داخلية وخارجية، لتحقيق الحسم والحزم المستهدف لإعادة الشرعية ودحر الانقلاب العسكري. وإذ يمكن القول بأن عاصفة الحزم ببعدها العسكري كانت ضرورة وحالة طبيعية لمواجهة الانقلاب العسكري على الشرعية، باعتبارها ردا عسكريا عربيا وإسلاميا مضادا لعمل عسكري، تم بدعم خارجي إيراني، فهذا البعد العسكري لاشك يرتبط ببعد ثان يتعلق بمرحلة ما بعد انكسار الحوثيين وأزلام صالح. فهناك بناء الجيش الوطني اليمني وكافة مؤسسات الدولة، وهناك البناء السياسي لنظام الحكم، وتفعيل نتائج الحوار الوطني أو مخرجاته، وإقرار الدستور الجديد. وفي ذلك يبدو اليمن أمام خارطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد سقوط الانقلاب والعودة لمسار بناء الدولة وتحقيق الاستقرار مجددا.


غير أن ثمة بعدا ثالثا لا يقل أهمية من العمليات العسكرية ومن إعادة الأمور إلى النقطة التي انفرط عندها عقد اليمن، هذا البعد يتعلق بتغيير المعطيات الفكرية والسياسية والقانونية والمجتمعية التي تمنع اليمن من تكرار وصوله ما وصل إليه الآن، ولعدة مرات من قبل، إذ شهد في عصره الحديث العديد من الحروب تحت عناوين متعددة من الانفصال إلى معركة الوحدة إلى معارك الحوثيين الستة ضد الجيش اليمني، بل إن هذا البعد لا يتعلق باليمن وحده، بل بكل الدول المعرضة لانفراط العقد –وفق أوضاعها الخاصة –حتى لا نعود للبحث مجددا عن ضرورات القيام بعمليات عسكرية وعاصفة حزم جديدة لمعالجة تدهور الأوضاع في دول أخرى. ذلك أن إيران لم تتوغل في اليمن –أو في الإقليم-إلا لأسباب تتعلق بضعف البناء المجتمعي والنظم السياسية والفساد وغياب العدل. بل يمكن القول بأن أمر الخلل في الدول والمجتمعات كان العامل الأساسي في حدوث التدخل والاحتلال وليس قدرة وقوة أو مهارة إيران، إذ تعاني إيران ذاتها من حالات اختلال مجتمعية وسياسية وحالات ضعف تجعلها عرضة لمثل ما جرى في دولنا وربما أكثر. فحين تدخلت إيران في العراق وفرضت دورها ونفوذها في داخل العراق ودفعته للاحتراب الداخلي، لم يكن الأمر ناتجا عن عوامل قوتها بل عن الوهن الذي أصاب العراق على يد قوات الاحتلال الأمريكية، إذ ظل العراق صامدا في مواجهة إيران لسنوات طوال دون قدرة إيرانية على هزيمته. كان العجز الإيراني ناتجا عن قوة الدولة العراقية، غير أن قوة الدولة بجيشها وأجهزتها الأمنية ليست كافية وحدها، إذ كان غياب العدل وضعف قدرة البناء السياسي على استيعاب متناقضات المجتمع وغياب حيوية الحياة الفكرية في المجتمع العراقي، هو ما مكن إيران من اختراق المجتمع العراقي قبل الغزو والاحتلال الأمريكي، إلى درجة تشكيل ميلشيات عراقية الأسماء للتدخل العسكري وإثارة الاضطراب في المجتمع العراقي. كانت إيران جاهزة بميلشياتها بسبب ضعف العراق ولم يكن الاحتلال وحده سبب قدرتها على الاندفاع الفوري للمساهمة فيما جرى من هدم الدولة وتفكيك المجتمع. والأمر نفسه في سوريا، وللأسف فالحال كذلك في كثير من الدول، وإن بدا الأمر غير ذلك في المظهر.
البعد الثالث في عاصفة الحزم يتعلق بدول أخرى كثيرة معرضة بطريقة أو بأخرى للدخول في أوضاع ستنتهي إلى ضرورة تشكيل عاصفة حزم جديدة، ولذا يبدو الدرس الأول في عاصفة الحزم، هو كيف نطور أنظمة الحكم وثقافة المجتمعات حتى لا نحتاج إلى عواصف أخرى للحزم!.
&