جمال الغيطاني
&

هذا اليوم... لحظة فارقة في التاريخ المصري الممتد، سواء الموغل في القدم، أو القريب، أتمنى أن نعيشها ونتمثلها.

منذ آلاف السنين لم يمارس المصريون حقهم في اختيار حكامهم، كانت مقتضيات الدولة المركزية القديمة تقتضي اختيار حاكم قوي من خلال عملية معقدة يشترك فيها الكهنة من المعبد الذي كان له دور كبير، ومن الطبقة السياسية.

كانت مؤسسة الحكم قوية، لكنها لم تكن منعزلة عن شعبها، كان الفراعنة مصريين، وكان الفرعون على عكس الصورة التي سادت الذاكرة الإنسانية، رمزا للعدالة وللرحمة ورعاية شعبه، ولا يوجد «نصب تذكاري» في مصر أقامه أحدهم إلا ويقسم فيه أنه وفر الخبز والأمن والعدالة للناس، وكان عليه أن يثبت باستمرار أنه قادر على الحكم، وعلى أداء مهامه. وذلك من خلال اختبار يجري عند بلوغه الثلاثين عاما في السلطة، لابد أن ينزل في احتفال يسمى «سد» ويصارع ثورا قويا ويهزمه.

ويظل موضوع السلطة في مصر الفرعونية في حاجة إلى مزيد من الفهم والدرس لانتصار الرؤية العبرانية المعادية للحضارة المصرية وهذا من الأسئلة الكبرى في التاريخ، كيف تنتصر البداوة على الحضارة؟.

مرت مصر بأطوار عديدة، عرفت من خلالها الصعود والنزول، والاستمرارية والتغير، إلى أن تولى السلطة فيها العبيد بعد العصر الفاطمي، أي المماليك، ولكن المضمون المصري يفرض نفسه على هؤلاء الأغراب الذي جاءوا من صحاري آسيا وأصقاع الشمال أطفالا مختطفين ليصبح بعضهم سلاطين لمصر.

لم يكن للشعب المصري دور في اختيار حكامه، صحيح أن الشعب «كان المؤرخون يطلقون عليه العامة والأوباش والحرافيش» يمارس ضغطا من خلال انتفاضات محدودة للمطالبة بتولي سلطان معين أحبه الناس، وكان العنصر الأول للحب أو الكره هو القدرة على تحقيق العدل بالنسبة للقاعدة الأعرض من الناس، حدث هذا مع الناصر محمد بن قلاوون الذي عُزل مرتين من السلطة وعاد إليها بضغط الشعب.

ولكن العصر المملوكي شهد أعاجيب وأمورا تدخل في منطقة اللامعقول.

ولم يقع مثلها إلا في مرحلتي السادات ومبارك، عندما أصبحت الشخصانية هي الحاكمة، في العصر المملوكي تولى حكم مصر رضيع عمره ستة شهور... ابن الملك المؤيد شيخ حموي... وفي حقبة أخرى تولاها مجنون بالفعل «بلباي» ومرة أخرى تولى أحد السلاطين لمدة ليلة واحدة، أما الخليفة العباسي الذي أتى به الظاهر بيبرس ليصبح أداة سياسية فتحول إلى موظف عند المماليك إلى درجة أنه قام بتولية وخلع ثلاثة سلاطين في يوم واحد، وهناك تفاصيل عن وضع الخلافة في مصر تدخل في باب الأعاجيب.

أقول هذا لمن ينادون اليوم بعودة الخلافة وكأنها حلم مفقود، انهارت الدولة بعد حكم الأتراك، وبداية الاحتلال العثماني، وعندما جاء نابليون بونابرت إلى مصر كان تعدادها مليونين ونصف المليون، أي أن نحو ستة ملايين اختفوا عبر مئتي سنة من حكم الخليفة العثماني، ولكن تاجرا للدخان وضابطا في الجيش العثماني، أدرك مكامن القوة في البلد، وتمكن بدهائه من الصعود إلى الولاية في القلعة.

&