هل ينسحب تحييد لبنان عن الوضع السوري على اليمني؟

ثريا شاهين


مع تفاوت المواقف الداخلية وارتفاع منسوبها بالنسبة إلى الموضوع اليمني و»عاصفة الحزم»، تعود إلى الواجهة مسألة تحييد لبنان عن نزاعات المنطقة، والنأي عن قضاياها: فهل تنطبق سياسة نأي لبنان عن الموضوع السوري على النأي به عن الموضوع اليمني؟ وهل تنطبق على أي مشكلة تواجهها دول عربية أخرى؟

يشهد لبنان تصريحات سياسية تتناول الشأن الخارجي، وليس لها علاقة بالشأن الداخلي، وتحييد لبنان الرسمي عن ما يحيط به من مشاكل هو خيار داخلي، إنّما هذا التحييد، لا يزال وفقاً لمصادر ديبلوماسية، موضع نقاش داخلي، مع أنّ الفكرة قائمة.

بالنسبة إلى سوريا، لبنان، بحسب المصادر، ينأى بنفسه في ما يخص الشأن الداخلي السوري حفاظاً على الاستقرار والوحدة. على أن يترك للسوريين معالجة شأنهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، ولبنان يفضّل أن تكون الطريقة عبر الحوار السياسي والحل السلمي.

إنّما لبنان لا ينأى بنفسه بالنسبة إلى المخاطر الواردة من سوريا من أي طرف أتت. أي أن لبنان لا ينأى بنفسه عن أي مخاطر استراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية تمس وضعه الداخلي. وهذه المخاطر تتمثل بالسلاح داخل بعض المخيمات السورية للاجئين بحسب تقارير واردة، والتصدي للإرهاب والفكر التكفيري الآتي من الأراضي السورية، وهذه المظاهر هي غريبة عن المجتمع اللبناني وعن طبيعة اللبنانيين، حيث من واجب لبنان التصدّي لأي فكر إرهابي أو تكفيري أو ما له طابع التطرف، كما التصدي لأي أعمال منبثقة عن ذلك. وهذا التصدّي يدخل من ضمن الحفاظ على وحدة لبنان الداخلية. والأمن الذي يقلق لبنان أو السلطات اللبنانية من جراء السلاح في المخيمات السورية، تأتي معالجته ضمن ضبط الاستقرار.

ثم هناك المخاطر الاجتماعية والاقتصادية المتأتية من اللجوء، إذ هناك مليونا لاجئ سوري فضلاً عن نصف مليون لاجئ فلسطيني، هذا إضافة الى أنه يقلق الأمن، كذلك يحمل مخاطر اجتماعية ويحمل الدولة على إعادة النظر بالوضعية العامة، ولذلك اتخذت قراراً بوقف اللجوء السوري، وبإجراءات ترتيب العلاقة بين اللاجئين والإدارات اللبنانية، وبالتالي الشعب اللبناني. كل ذلك لم يكن للبنان قدرة على عدم التدخّل به منعاً لحصول كارثة وطنية وأمنية وسياسية.

ولا يمكن للبنان الابتعاد عن ما يحصل من انعكاسات داخلية للأزمة السورية، حيث أن كان ما يأتي منها يمسّ الاستقرار والوحدة والوضع الديموغرافي، لذلك لن يكون هناك نأي بالنفس. كل ما يحصل داخل لبنان يعني الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني، وعلى الحكومة القيام بما يحقق الوحدة والاستقرار، وعدم التلاعب والتفريط بما يُعد من مقوّمات الشعب اللبناني.

أمّا في مجال التصويت في الجامعة العربية حول القضايا السورية، فإنّ لبنان ينأى بنفسه عن الموضوع خصوصاً أنه إلى حد بعيد موضوع خلافي. في قضايا أخرى مثل اليمن، لبنان فعلاً ينأى بنفسه في التصويت، لا سيما وأنّ الموضوع لا يحظى بالإجماع. وكل ما لا يحظى بالإجماع يبتعد لبنان عن الخوض به.

في ثوابت لبنان بالنسبة إلى اليمن، فإنّه إلى جانب الإجماع والتضامن العربيين، وهو ضدّ التدخّل في الشؤون الداخلية في أي دولة، وهو مع شرعية النظام في أي دولة، ويقف إلى جانب الحوار سبيلاً لحل المشاكل، وإلى عدم فرض الحلول العسكرية من أي طرف كان، أي أنه يدعو إلى الحوار بين اليمنيين، ومع توفير التوازن الإقليمي في أي مخارج للحل، إذا ما كان ذلك يؤمن الاستقرار في اليمن والمنطقة. لبنان في النهاية دولة عربية ويصيبه ما يصب أي دولة عربية شقيقة، ويحزنه ما يحزنها، ولبنان جزء أساسي من تكوين الأمة العربية. وفي الوقت نفسه، يسعى إلى الاستقرار، لكي لا تنعكس المشاكل وعدم الاستقرار والازدهار فيها على شؤونه الداخلية وعلى الاستقرار فيه والازدهار. لبنان هو مرآة لما يحصل في المنطقة، ولا يجب العمل إلا في الاتجاه الذي يضفي عليه الاستقرار والأمن. ما يعني أن لبنان الرسمي مع الشرعية اليمنية وضدّ التدخّل ومع الحل السياسي والحوار بين الأطراف اليمنية. فضلاً عن ذلك، إن لبنان يلتزم بكل قرارات مجلس الأمن بحكم التزامه الشرعية الدولية وقراراتها. وبالتالي، هو ملتزم القرار 2216، الذي صدر أخيراً حول اليمن.

في القضايا ذات الصلة باليمن، لبنان يختار حكماً وحدته الداخلية، ولو كان مقتنعاً بالتضامن العربي. الأولوية للوحدة الداخلية، وهي واجب وطني، وتعلو على كل المبادئ.

في التصويت داخل الجامعة العربية، لبنان مع الإجماع العربي عموماً، ومع عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى. في المواضيع الخلافية، هو ينأى بنفسه عن أي حل لا يحظى بالإجماع العربي الكامل. هذا هو الموقف من كل الأزمات بشكل عام.


&