&عبدالحميد الأنصاري

&
قالت العرب قديماً: "بكل واد أثر من ثعلبة"، للدلالة على سعة المكر والدهاء، وإجادة التسلل خفية، من خلال المنافذ والثغرات إلى حيث الفرائس، وثعلبة عصرنا هي إيران بكل امتياز، فهي تجيد التسلل من وراء ظهورنا في الخفاء، وعبر ثغراتنا ومواقع ضعفنا، لتتخذ وكلاء لها في ديارنا، وتحولهم إلى عملاء يأتمرون بأمرها، فتمدهم بالمال الطاهر والسلاح، ليعيثوا فساداً في الأرض.
أينما ذهبت وارتحلت في أرجاء المنطقة، إلى أعماق إفريقيا ومجاهل آسيا وأدغال أميركا الجنوبية، وجدت آثار ثعلبة عصرنا، المال والسلاح بيد تنظيمات أو خلايا، خارجة على الشرعية، تنازع الدولة في سلطتها، وتحرض على الطائفية، وتبث الكراهية، أصبح سلوك الثعلب الإيراني، العامل الأبرز في توتر المنطقة.


إيران، منذ ثورتها الإسلامية وإلى اليوم (36 عاماً) وهي منشغلة بمشروعها العظيم تصدير الثورة، نذرت نفسها له، ورصدت له الموارد الهائلة من أموال الشعب الإيراني، تستنزف وتذهب هباء وهدراً لهدف واحد "التخريب والإفساد" وكل ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني وكرامته وحقه في أن يعيش كما يعيش جيرانه على الضفة الأخرى من الخليج، شغلت إيران نفسها بالمشروع التخريبي، ولم تفد منه شيئاً على صعيد تنمية مجتمعها رغم الموارد الهائلة التي تملكها، خلال هذه المدة، أنجزت دول أخرى (النمور الآسيوية) إنجازات تنموية هائلة أسعدت شعوبها، وهي لا تملك عُشر ما تملكه إيران!
بالله عليكم ما الذي ينقص إيران- وهي أغنى دولة في العالم- لتصبح جنة الله تعالى في أرضه؟! تنقصها الإرادة السياسية الناضجة والإدارة العلمية السليمة للموارد والطاقات، بإمكان إيران منافسة النمور الآسيوية واليابان أيضاً، لو تخلت عن أيديولوجية تصدير الثورة وأصبحت دولة طبيعية مثل دول العالم.
خلال هذه الـ36 عاماً، أضاعت إيران فرصاً ذهبية، لتقديم نموذج إسلامي تنموي يحتذى به، رغم الشعبية الهائلة التي حظيت بها في العالم العربي، لكنها شقيت بمواردها، وجلبت الخراب لغيرها، جوّعت شعبها وأرهقت عملاءها في المنطقة، وتسببت في كراهية المجتمعات العربية لهم، ها هو الحوثي اليوم يستصرخ ويستغيث الولي الفقيه، لكن لا مجيب ولا ولي ولا نصير، إيران ورطت الحوثيين وشجعتهم على الانقلاب على الشرعية وزودتهم بترسانة هائلة من الأسلحة، وضمنت لهم الدعم المستمر بالمال والسلاح والنفوذ السياسي، وأغرت الحوثيين بالوعود الإيرانية فتمردوا واستولوا على مؤسسات الدولة وتآمروا على الرئيس الشرعي واحتجزوه، فلما أنجاه المولى تعالى منهم، تتبعوه إلى عدن لأسره أو قتله، فلم يفلحوا، ورد الله تعالى كيدهم ومكرهم "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ"، ها هم الحوثيون اليوم في مواجهة مصيرهم المحتوم، قُتل منهم خلق كثير ودُمر السلاح الإيراني بيدهم، أصبحوا يائسين بائسين، والولي الفقيه يتخبط يمنة ويسرة، يتوسل ويستجدي الحل، يتباكى على المدنيين، ويصرخ مهددا متوعداً بدون جدوى ولا مجيب، إيران التي حشرت أنفها في كل خلاف سياسي عربي، وحرصت على الوجود في كل بؤر الصراع في المنطقة أشبه بالثعلبة، استفاقت اليوم على هول ما جنت أيديها وأذرعها، وهي تدرك اليوم أن "عاصفة الحزم" بداية انحسار نفوذها التخريبي في المنطقة، إيران اليوم تعمل ألف حساب لليقظة العربية بقيادة السعودية وأخواتها من الخليجيين والعرب.
في المقال السابق، تمثلت ببيت أبي تمام في فتح عمورية:
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
للدلالة على أن "عاصفة الحزم" وضعت حداً لأحلام إيران التوسعية، وأفاقتها من غرورها واستعلائها وتطاولها على العرب والخليجيين واستهانتها بهم، كما كشفت الغطاء المتلون عن وجوه المفتونين، المدافعين عنها من العرب، كما أثبتت أن إيران لا تعرف إلا لغة واحدة، هي لغة القوة، ولا تحترم إلا الأقوياء، ها هي اليوم تنوح وتولول وتستجدي الحوار الوطني، وهي التي كانت وراء إفساد أي حوار أو مصالحة في العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن.
الولي الفقة في طهران وتابعه الأمين في لبنان هددا وتوعدا، أعذرهما، فالمصاب جلل، والوجع أليم، والعاصفة قاصمة، وجاء قرار مجلس الأمن ليحبط أمل إيران في روسيا، ها هو وزير خارجيتها يهرول مذعوراً في كل مكان، مطالباً بالتسوية، من كان يصدق أن الثعلب الإيراني ينقلب حملا وديعاً؟
لقد كانت إيران تئن تحت وقع الحصار، لكنها كانت تكابر، كعادة الدول الأيديولوجية، ووصلت إلى مرحلة العجز عن تمويل مشروعيها: برنامجها النووي وطموحاتها التوسعية، لم تستطع إيران الاستمرار في تحمل أعباء المشروعين، فوافقت على اتفاق الإطار بهدف رفع الحصار وزيادة الموارد (150 مليار) دولار، للتفرغ في تمويل مشاريعها التوسعية، وجاءت "عاصفة الحزم" لتربك حساباتها وتفشل مراهناتها.
ظنت إيران أنها، وهي طليقة من الحصار والعقوبة، ستتمكن من زيادة مساعداتها لوكلائها المحليين وزيادة توسعها، وأنها بعد اتفاقها مع أميركا (حليفتنا الاستراتيجية) ودخول شركاتها الاستثمارية السوق الإيرانية، ستشتري الحياد الأميركي، أو على الأقل ستكسب اعترافاً أميركياً بنفوذها الإقليمي في المنطقة، لكن خابت ظنونها، وها هي "عاصفة الحزم" تعلن صحوة العرب وأنهم بالمرصاد لمواجهة إيران وتسللها في المنطقة، بل قطع أياديها وأذرعها.

وبعد:
لقد آن لإيران أن تراجع سياساتها التخريبية وتعيد النظر في مشاريعها التوسعية وتحترم حقوق الجوار، وقبل ذلك أن ترجع وتصبح دولة طبيعية تهتم بشؤون شعبها الذي يتطلع إلى حقه في العيش بكرامة متمتعاً بخيرات بلاده، مثلما يتمتع جيرانه الخليجيون بخيرات بلادهم.
من حق المواطن الإيراني، اليوم أن يتساءل وبعد 36 عاماً على وعود وشعارات الثورة بالحياة الكريمة: أين ذهبت ثروات بلادي؟! وما مصلحتي في هدر هذه الثروات على ميليشيات خارجية تؤجج الصراعات وتزعزع الاستقرار وتغير الأنظمة ولا تعترف بالحدود الدولية؟!

ختاماً:
ويبقى أن أتساءل: متى يدرك قادة إيران أن العرب عامة والخليجيين خاصة يحبون لإيران: حكومة وشعباً، ما يحبونه لأنفسهم من خير وتقدم وازدهار؟