حسن بن سالم

حسن نصرالله في خطاباته وحواراته التلفزيونية الأخيرة، قدم وبشكل مستميت كل ما من شأنه الدفاع عن سياسة إيران في المنطقة ومحاولة تجميلها، والتهجم والافتراء في الوقت ذاته على المملكة، عبر سلسلة من التهم واختلاق مجموعة كبيرة من الأكاذيب المفضوحة، التي لا يمكن أن تغير شيئاً من الحقيقة.

&

قد يصعب حصر تلك الأكاذيب والتناقضات، التي أصبحت مثار السخرية والتندر؛ لمصادمتها الوقائع والحقائق، فمن تلك الأكاذيب اتهام السعودية بدعم «القاعدة» و«داعش»، وأن العمى أوصل السعودية إلى حماية هذين التنظيمين وإرسال السلاح لهما على رغم أنهما يشكلان خطراً على الأمن السعودي، واتهامها بأنها وراء ما يحدث في العراق، وأنها ترسل الانتحاريين والسيارات المفخخة.

&

نصرالله بمثل هذه الأكاذيب حاول جاهداً تشويه الحقائق وقلبها وصرف الأنظار عن حقيقة عرفها الكثيرون من خلال الوثائق والأدلة والبراهين، وهي ما يتعلق بالعلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة، الذي عاش لأكثر من عقد من الزمن في كنف ورعاية الدولة الإيرانية، فهذه الأخيرة لطالما تجاوزت الخلافات الآيديولوجية كافة، بينها كدولة شيعية متشددة، وبين تنظيم القاعدة ذي النهج الإسلامي السني المتطرف؛ سعياً من أجل تحقيق مصالحها القومية وأهدافها في المنطقة.

&

وعلى مدى تلك المدة الطويلة حظي هذا التنظيم بدعم واضح ومساعدات كثيرة من إيران، إذ شكلت أحداث «11 سبتمبر» 2001 منعطفاً حاسماً في توثيق العلاقة بين القاعدة وإيران التي سبقت ذلك التاريخ، فعقب الاجتياح الأميركي لأفغانستان عام 2001 وسقوط حكومة طالبان، وفي إطار سياسة الحرب على الإرهاب ومطاردة القاعدة وطالبان؛ لجأ عدد من قيادات وأفراد وعائلات القاعدة إلى إيران، وفي علاقة تبادلية في المصالح، حصل عناصر القاعدة من خلالها على حرية التحرك التي خولتهم من جمع التبرعات والتواصل مع التنظيم المركزي للقاعدة، وتنظيمات وفروع أخرى تابعة للقاعدة في دول أخرى، وقد لجأ إلى إيران أكثر من 100 من أعضاء وعناصر القاعدة وعائلاتهم، إذ كانوا في بيوت آمنة بإشراف «الحرس الثوري»، الذي عمل على تصنيفهم ومحاولة توظيفهم واستثمارهم وفق الأهمية، والتوصل معهم إلى تنسيق الأهداف المشتركة.

&

وقد برزت أسماء قيادات مهمة في تنظيم القاعدة، أقامت لأعوام في إيران من أهمها: سيف العدل المسؤول الأمني لتنظيم القاعدة والقائد للعسكري بعد مقتل أبو حفص المصري، والذي تم تسليمه إلى طالبان باكستان عام 2010 في صفقة تبادل أسرى بين حكومة طهران وتنظيم طالبان؛ مقابل الإفراج عن الديبلوماسي الإيراني حشمت الله زادة، الذي اختُطف في شمال باكستان في 2009 على أيدي طالبان، وأبو حفص الموريتاني أول مسؤول شرعي لتنظيم القاعدة، وقد قامت إيران بترحيله عام 2012 إلى موريتانيا، والكويتي سليمان أبوغيث وكان أول ناطق رسمي لتنظيم القاعدة، الذي قامت بترحيله مطلع عام 2013 وتم اعتقاله لاحقاً من السلطات الأميركية، والذي حكم بعقوبة السجن مدى الحياة بعدما أدانه محلفون بالتآمر لقتل أميركيين والتآمر لتقديم دعم مادي للعمليات الإرهابية، إضافة إلى السعودي صالح عبدالله القرعاوي مؤسس كتائب «عبدالله عزام»، وهو تنظيم يعمل كأحد أذرع تنظيم القاعدة في سورية، وهو من أخطر المطلوبين على قائمة الـ85 السعودية، وقد تسلمته السلطات السعودية في حزيران (يونيو) 2012، وكذلك السعودي ماجد محمد الماجد الذي تولى عقب إصابة القرعاوي قيادة كتائب عبدالله عزام في يونيو 2012، وقد بايع أبو محمد الجولاني أمير «جبهة النصرة» في بلاد الشام في آذار (مارس) 2013، وقد ألقت السلطات اللبنانية القبض عليه أثناء علاجه في أحد مشافي بيروت، وأعلن لاحقاً عن وفاته في 4 كانون الثاني (يناير) 2014.

&

وفي الأسبوع الماضي أُعلن مقتل السعودي عادل الحربي، المطلوب دولياً في سورية، وهو أحد أبرز أسماء أتباع التنظيم في تسهيل حركة الأموال والعمليات والتدريب عبر إيران لمصلحة تنظيم القاعدة، إلى غير تلك القيادات والأسماء، ذلك الدعم الكبير الذي حظي به تنظيم القاعدة من إيران كانت تسعى من خلاله وفقاً لما طرحه دانيال بايمان، الأستاذ في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، في دراسة له بعنوان: «علاقة إيران السرية بتنظيم القاعدة»، إلى تحقيق ثلاث مصالح أولها: استغلال العلاقة بالقاعدة في القيام بعمليات ضد بعض الدول، في حال توتر العلاقات في ما بينها، وعلى رأسها السعودية، الثاني: وجود عناصر تنظيم القاعدة في إيران يمنحها قوة تفاوضية، ولاسيما في علاقتها مع الولايات المتحدة، إذ يصبح بإمكانها أن تسهل من انتقال هذه العناصر إلى العراق أو أفغانستان أو أن تزيد من الخناق عليهم. الثالث: توفير الدعم اللوجيستي للقاعدة، وتوفير ملاذ آمن لعناصره، قد مكنها من حماية نفسها من أي هجمات محتملة يقوم بها التنظيم داخل الأراضي الإيرانية، والأهم، وهو: إغراق المنطقة العربية في بحر من الفوضى عبر رعاية ودعم المجموعات الإرهابية، إذ قدم النظام الإيراني كل التسهيلات والسبل لتوصيل تلك التنظيمات داخل سورية إبان بداية الثورة هناك، وإذا كانت إيران عملت على تسهيل دخول مقاتلي تنظيم القاعدة إلى أفغانستان خلال العقد الماضي، فإنه وعلى رغم حصول التنافر بين الطرفين نتيجة التباين والاختلاف من أحداث سورية، فإن وزارة الخزانة الأميركية أكدت العام الماضي أن ثمة أفراداً -وبعلم السلطات الإيرانية- لا يزالون يعملون على تجنيد مقاتلين لتنظيم القاعدة، ويديرون شبكة مسؤولة عن نقل الأموال والمقاتلين الأجانب عبر تركيا.
&