&
فاتح عبدالسلام


ونزحوا من الرمادي وسينزحون، بعد نزوحات ديالى وتكريت وسنجار وتلعفر، ولا تزال الموصل لم تشهد النزوح الكبير حتى الآن.
نزوح في نزوح وموجات بشرية تنبع من كل مكان كأننا نشهد يوم الفيضان العظيم. في ساعات تتشرد بلدة أو قضاء أو محافظة، ويصبيح الموانون في العراء وتزداد مصيبتهم حين ينظر اليهم على انهم مشكوك في أمرهم، ويحتاجون الى اثبات حسن نيتهم وسلوكهم بين ساعة وأخرى.
تضاءلت صفة المواطن التي يحملها العراقي وأصبح غريباً في بلده يحمل في أفضل الأحوال صفة نازح. هذه ليست الموجة الأولى للنزوح فقد حدثت الموجة الأولى بعد سنة من احتلال العراق وتحديداً عام ومن ثم جاء النزوح الدموي بعد ذلك بسنتين. اللاجيء استطاع أن ينتزع اعتراف الدول الكبرى والاتحاد الأوربي منذ عقود وأصبح العالم المتحضر يستقبل الفارين من البلدان العربية ويمنحهم صفة اللاجئين وباتوا جزءً من تلك البلدان المتقدمة مع مرور الوقت. لكن النازحين الذين يفترض أنهم لايزالون على أرض بلدهم وإن تغيرت مكان اقامتهم يكافحون من أجل بطانية أو ورقة تموينية أو منحة نقدية تصرف لمرة واحدة وباتت حلماً عصي التحقيق. بل انهم يكافحون من أجل اثبات أنهم مواطنون عراقيون أحياناً حيث فقدوا وثائقهم وأصبحوا أرقاماً في مهب هذه الريح.
العراقي الذي يظن أنه لن تناله صفة لاجيء أو نازح، ما أن يكون واهماً أو مضللاً.
أية أرض لم تعد تقوى على حمل شعبها، ربما لكثرة أقدام الغرباء.
النزوح داخل البلد هو دليل لا يقبل الشك على ضعف ثقة الإنسان بالدولة التي يعيش في كنفها. نراهم هاربين من ذلك الموت المعلوم المجهول بصفاتهم وهوياتهم واختصاصاتهم كافة، المعلم والتلميذ والفلاح والمهندس والطبيب والتاجر والموظف والكاسب. لا أحد يثق بأحد الجميع يهرع الى حيث الأمان الذي لا يعرف أين يجده وكيف يتمتع به. وما أدراك كم من الموت الذي كان ينتظر الفارين منه لكنهم كانوا صيداً سهلاً له وقد خرجوا من ديارهم ومزارعهم ومكان عزهم.
ما أقسى حالك ،أيها البلد النازح.

&