هدى الحسيني
&
تخوف العسكريون الأميركيون من احتمال اشتباك بحري قرب سواحل اليمن مع وصول تسع سفن إيرانية إلى المنطقة، لكن قائد سلاح البحرية الإيرانية حبيب الله سياري دافع عن إبحار «الأسطول الإيراني» في المياه الدولية، غير أن مصدرًا عسكريًا غربيًا رأى أن هذا التحرك البحري الإيراني يأتي بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن موافقته على صفقة صواريخ «إس - 300» إلى إيران، وقال لا مشكلة في الخليج العربي بسبب السفن الإيرانية، «فهذه يمكن قصفها بسهولة»، إنما المشكلة ستكمن مع السفن الروسية. وحسب توقعه فإن «اشتباكًا قد يحصل بين سفن عسكرية سعودية ومصرية وإيرانية، فتأتي السفن الروسية بداعي إنقاذ المدنيين الروس في اليمن وتوفير الغذاء والأدوية».
&
من المؤكد أن «عاصفة الحزم» قلبت الحسابات الإيرانية رأسًا على عقب، ومن المؤكد أيضا أن إيران خسرت اليمن وتدرك أن الخسارة ستلد خسارة أخرى في سوريا والعراق، وهذا أمر حتمي. والإرباك تتسع دائرته داخل القيادة الإيرانية، فيوم الأحد الماضي شن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي هجومًا على الولايات المتحدة بصفته أيضًا القائد الأعلى للقوات المسلحة، معتبرًا «أنها والنظام الصهيوني الخطر الأساسي في المنطقة»، ثم يوم الاثنين الماضي وفي صحيفة «نيويورك تايمز» كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مقالاً، دعا فيه الشعب والحكومة الأميركيين إلى التعاون مع إيران وحل أزمة اليمن بطريقة سلمية، مهددًا هو الآخر الأميركيين بأن عليهم أن يختاروا إما التعاون مع إيران وإما مواجهتها، مع العلم أن خامنئي حذر دائمًا من أن الاتصال مع أميركا محصور فقط بالمسألة النووية.
&
هذه المواقف تؤكد من جديد أن إيران ليست على استعداد لتقبل خسارة اليمن، لذلك تحتاج إلى روسيا لفك الحصار عن اليمن.
&
وكما يبدو فإن صفقة الصواريخ الروسية لإيران، واستقواء إيران بها، حركتا حتى حاملة الطائرات الأميركية «روزفلت» للتوجه إلى مياه اليمن الإقليمية لاعتراض أية سفن إيرانية تحمل أسلحة إلى الحوثيين كصواريخ أرض جو، خصوصًا بعد التهديد الذي وجهه قائد الجيش الإيراني أحمد رضا بوردستان للمملكة العربية السعودية بقصفها بالصواريخ.
&
قرار بوتين برفع الحظر المفروض على نقل نظام الدفاع الجوي «إس - 300» إلى إيران يشير إلى توجه جديد لموسكو في الشرق الأوسط، ثم إنه كان أول ثمرة لاتفاق «لوزان» المبدئي، وهو إشارة من بوتين إلى الولايات المتحدة بأن الأيام التي كانت روسيا تصغي لأميركا في ما يتعلق بتصدير سلاحها قد ولت، إضافة إلى أنه إذا فشلت المفاوضات بين الغرب وإيران فإن روسيا لن تدعم عقوبات جديدة على إيران التي في الوقت نفسه تشعر بأن العلاقات بين واشنطن وموسكو هي أكثر برودة مما كانت عليه منذ أواخر الثمانينات.
&
بصفقة الصواريخ، تعزز روسيا موقفها كمورد أسلحة أساسي لإيران، وحتى لو ازدهرت التجارة بين إيران والغرب فقد أغلقت روسيا الباب حتى لا تشمل الأسلحة والمعدات العسكرية. يحاول بوتين أن يسبق خصومه الغربيين بشق طريق لروسيا إلى السوق الإيرانية.
&
في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وقّع الاتحاد السوفياتي صفقة أسلحة مع إيران بقيمة 5.1 مليار دولار، ورغم انهيار الاتحاد السوفياتي زودت روسيا إيران بمدرعات وناقلات جنود وذخائر، وساعدت موسكو طهران على بناء مصنع للدبابات، ومصنع لإنتاج ناقلات جنود مدرعة. وفي عام 1999 وافق الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين على عرض من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بإنهاء التعاون الروسي – الإيراني العسكري، مقابل وعود أميركية بالتعاون التكنولوجي، ومع مجيء بوتين إلى السلطة عام 2000 تأكدت موسكو من أن واشنطن غير مهتمة بمساعدتها لتطوير صناعاتها الدفاعية، فألغى البروتوكول الموقع بين البلدين في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه. لكن ذلك لم يؤدِّ إلى إعادة التعاون العسكري بالكامل مع إيران التي اشترت لاحقًا طائرات عسكرية روسية وطائرات هليكوبتر، ولجأت إلى الخدمات الروسية لإطلاق الأقمار الصناعية، وظلت لا ترى روسيا الشريك الموثوق به. لا، بل من المحتمل تعرضه من جديد للضغوط الأميركية، وهذا ما حصل، إذ عام 2010 تراجعت روسيا عن صفقة تزويد إيران بنظام صواريخ «إس - 300» رغم أن العقوبات الدولية لا تمنع بيع الأسلحة الدفاعية، إذ وعد الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه لن يشحن الصواريخ إلى إيران.
&
الآن بسبب خسارتها في اليمن، وما يمكن أن يلحق بها من خسائر، قررت إيران تجاوز كل مخاوفها من روسيا، فالدولتان تتعاونان في سوريا للإبقاء على نظام الرئيس بشار الأسد، وتعتقد إيران بأنها قد تجر روسيا للوقوف معها في «طموحاتها التوسعية»، مع العلم بأن روسيا لم تستعمل حق النقض في التصويت على قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق باليمن والذي هو في الواقع قرار خليجي لحماية اليمن من الأطماع الإيرانية ولإيقاف التوسع الإيراني، وإذا كانت ترى في سوريا مكانًا مضمونًا لبقائها في الشرق الأوسط فكيف لا ترحب بجعل إيران كلها موطئ قدمها الأخرى في الشرق الأوسط؟
&
في نظر موسكو، طهران زبون مربح للصناعة العسكرية الروسية، لا سيما أن أغلبية الدول العربية تشتري أسلحتها من الولايات المتحدة والغرب، كما أن هناك اتفاق النفط مقابل السلع الذي تجري مناقشته بين إيران وموسكو منذ أكثر من عام ويتضمن 500 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني مقابل سلع روسية وأغذية، وهذا يسمح لإيران باستعادة نصف حجم الصادرات التي خسرتها بسبب العقوبات الدولية. هذا الاتفاق لا يشكل انتهاكًا للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران، ثم إنه مع المقايضة يمكن الالتفاف على القيود المالية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا.
&
الروس يؤكدون أن العمل بالمقايضة بدأ، والإيرانيون لا ينفون ولا يؤكدون لتخوفهم من أن يؤخر هذا رفع العقوبات الدولية عن بلادهم.
&
إذا كان ما يقوله الروس صحيحًا وأن صفقة مقايضة النفط الإيراني بالسلع الروسية بدأ تطبيقها، فهذا يعني زيادة المتوفر في الأسواق من النفط وبالتالي يعني هبوطًا جديدًا في الأسعار وانعكاسه السلبي على الدول المصدرة للنفط مثل روسيا وإيران. لكن، كما تقول التقارير فإن بوتين أعد خطة طوارئ تتوقع وصول سعر برميل النفط إلى 40 دولارًا، وهذا من شأنه إلحاق الضرر بالشركات الأميركية المنتجة للطاقة الصخرية، وقد يصل بها الأمر إلى التوقف عن الحفر، وهذا ما يرغب فيه بوتين. ثم إن اتفاق المقايضة يمكن أن يبني علاقات قوية ما بين إيران وشركات النفط الروسية التي قد تتولى تصدير النفط الإيراني، ولهذا مردود كبير عند رفع العقوبات.
&
بوتين يفكر في ما بعد أوكرانيا وكأنه يعيد تصنيف روسيا على أنها قوة غير أوروبية تبحث عن فرص جديدة ونظام عالمي جديد. وكان لوحظ أن وكالة «تسنيم» الإيرانية كشفت يوم الجمعة الماضي عن لقاء جرى بين وزير الدفاع الصيني تشانغ وانكون ووزير الدفاع الإيراني اللواء حسين دهقان في موسكو، أثنى فيه الوزير الصيني على تنسيق الجهود الثلاثية بين الصين وروسيا وإيران لمواجهة الأخطار المشتركة، ولا تستبعد المصادر الروسية أنه بمجرد رفع العقوبات الدولية عن إيران فإن روسيا ستروج لعضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون. وتعترف هذه المصادر بأن قرار إرسال صواريخ «إس - 300» أثار واشنطن، لكنها تقول إنه لا ينسف حظوظ التوصل إلى تسوية نهائية مع إيران، خصوصًا أن روسيا عضو فعال في المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، لأنه من مصلحة موسكو تجنب إيران نووية، وكذلك تجنب ضربة عسكرية ضد إيران.
&
إن هذه الصواريخ لن تكون قادرة على حماية إيران في المستقبل من أي هجوم جوي أميركي، كما أن اتفاقًا نهائيًا حول النووي الإيراني لن يغير من واقع أن النظام الإيراني هو نظام ثوري لا توجهه مصالحه فقط من أجل المحافظة على بقائه في الحكم وحماية سيادته الإقليمية، إنما أيضا توسيع نفوذه الإقليمي. وهذا كما يبدو ما بدأت تدركه واشنطن، وستدركه قريبًا موسكو، لأن الإيرانيين يحاولون رفع الحصار عن اليمن، فهل تغامر روسيا بالتجاوب؟