خليل علي حيدر

الشرق الأوسط عام 2015، بعد أربع سنوات حافلة بالثورة والتغيير، سيبقى في تقدير الاستخبارات الإسرائيلية، «منطقة خطيرة وغير مستقرة، لا سيما وأن بعض دوله ستتفكك، وتلجأ الأطراف المتعادية لاستخدام تكتيكات عنيفة». ويضيف مقال في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أن جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عندما يتطلع عبر الحدود إلى إيران والعراق والأردن وسوريا ومصر واليمن والمملكة العربية السعودية وشمال أفريقيا، «يرى عالماً متدهوراً اجتماعياً، متفتتاً سياسياً، وفقيراً على نحو متزايد اقتصادياً ومعيشياً». (الوطن الكويتية، 31-12-2014). «الأرامل السوريات يزددن مع مقتل الثوار»، وتشرح الصحيفة الكويتية إحدى الحالات!

بعد مرور نحو 4 سنوات، يقول تقرير بقلم عبد الستار حتيتة، (أصبح عدة آلاف من العرب غالبيتهم ممن تزعموا وشاركوا في إطلاق ما يعرف باسم «ثورات الربيع العربي» في مطلع 2011، يشعرون بالمرارة وهم يتابعون الأخبار الفاجعة عن بلدانهم من مقار إقاماتهم الجديدة بعيداً عن أوطانهم، ويتركز أكثر هؤلاء في مصر). بين هؤلاء الكثير من السوريين والليبيين المقتدرين مالياً، ثم لحقهم اليمنيون بعد اجتياح «الحوثيين» صنعاء. أحد الذين تحمسوا للثورة الليبية يقول: «ما يحزنني أنني كنت أعتقد أنهم قادرون على إصلاح حال ليبيا إذا تخلصنا من القذافي حين بدأت الثورة لم أبخل عليهم، خصصت للثوار مع عائلتي، خمس سيارات دفع رباعي، وخصصنا لهم، عبر شهور على الجبهة الشرقية لبنغازي، أطناناً من المؤن الغذائية ومياه الشرب». الكثير من هؤلاء كانوا من المتشددين بعد عودتهم من القتال في أفغانستان والشيشان والعراق.. إلى «درنة». كل هذا، يضيف اللاجئ الليبي، «تبخّر».. وقالوا الديمقراطية كفر». (29 - 01 - 2015) من الواضح أن «سوريا الكبرى»، يقول التقرير الإسرائيلي، لم تعد موجودة في شكلها السابق، «الاصطلاح الذي يتردد على نحو مقبول هذه الأيام هو سوريا الأسد الصغيرة، التي تسيطر على ما نسبته من 20 إلى 30% من البلد». ويضيف: «الروس الذين هبوا لمساعدة نظام دمشق ضد الثوار، لا يخفون اليوم يأسهم من جيشه. الجيش السوري النظامي لن يستطيع تحقيق النتائج المطلوبة، لذا يحاول الروس اليوم، بموافقة أميركية، العمل من أجل التوصل لحل وسط بين الثوار ونظام بشار الأسد، يؤدي إلى تقاسم السلطة في البلاد». غالبية السوريين اللاجئين إلى مصر من ذوي التوجهات الراديكالية. وهؤلاء، يقول تقرير الشرق الأوسط: «تدفقوا بشكل كبير إلى هنا أثناء حكم جماعة «الإخوان» لمصر، حيث عاشوا على مساعدات الجمعيات الخيرية «الإخوانية»، كما أن «إخوان» مصر هم من ابتدعوا تزويج اللاجئين السوريات لمصريين. ووفقاً للمعلومات الأمنية، كان الزواج في الأغلب من عناصر جماعة الإخوان نفسها». غير أن العبقرية السورية - اللبنانية التجارية سرعان ما برزت حتى في هذا الظرف الحالك!

&


فـ «السوريون تمكنوا سريعاً من التكيف في المجتمع المصري، ولا تخلو منطقة من قلب القاهرة والإسكندرية من مطاعم الشاورما والمأكولات الشامية». وقد استطاعت المرأة في ظل «الربيع العربي» أن تنحت منذ البداية مساحة في الواقع السياسي والاجتماعي، تقول د. شيرين أبو النجا «لم ولن تختفي مطلقاً، كل ما في الأمر أنها تمر بصعود وهبوط». فما أن تمت الاستفادة من دورها في اسقاط الأنظمة في مصر وليبيا، حتى تزايدت قصص وممارسات الاغتصاب والتحرش ومصادرة الحقوق والتصريح الذكوري علناً «إن وجود النساء في المجال العام لم يعد أمراً مرغوباً». (انظر: مجلة الديمقراطية، يناير 2015، ص 44 - 46).

وتعرضت الأقليات للتهديد والتصفية، مع حقوق المرأة والحريات. وكانت مشاركة المسيحيين في الثورة على «مبارك» مشاركة واضحة تقول الباحثة د. مي مجيب في نفس المجلة المصرية. «ولكن لم يكد يمر شهر على الثورة، حتى انفجرت العديد من الحوادث الطائفية».

إن علل «الربيع العربي» ليست من نوع واحد. فمنها ما سببه الهيمنة الطويلة لنظم الاستبداد وحكم الفرد ومصادرة كل الحقوق والحريات.

ومنها، التعصب الديني والقومي وغياب التسامح، وتفشي أمراض التخلف.. ومنها، تدخل القوى والدول الخارجية والأحزاب التي تحركها كما رأينا في الدور الروسي والإيراني و«حزب الله». ومنها، تفجر الأمراض السياسية والاجتماعية والسكانية من كل لون. لا أحد يعلم ماذا سيحدث لنا بعد أربع سنوات أخرى. ولكن الكثير مما جرى ويجري، تقوم به وحوش كنا نراها تنمو وتتغلغل في منازلنا ومدارسنا ومساجدنا وحكوماتنا.. ونسكت!
&