محمد خروب

&

&

&
انقضى يوم 24 نيسان 2015، لكنه لم ينتهِ كباقي الايام، ليس فقط لأنه مرتبط بذلك اليوم الذي يحمل التاريخ نفسه لكنه يسبق عامنا الحالي بمائة عام، بل وايضاً لأن الجدل حوله ما يزال يتصاعد وان حرب المصطلحات الدائرة الآن بين انقرة ويريفان لم تضع اوزارها بعد، وكل منهما يتمترس في خندقه، لا يريد مغادرته الا بعد ان يرفع الآخر (المقابل) الراية البيضاء او يتخلى عن روايته لصالح رواية اخرى «جديدة» يعلم الطرفان انها لن تجد من يؤيدها في الداخل الخاص بهما، ما قد يُفقد اي رئيس حتى لو كان في «حجم» ومكانة السلطان العثماني الجديد... اردوغان، ما بالك الرئيس الآرميني الذي كان جرّب نسخة «مصالحة» تطبيعية (وإن بحذر) مع اردوغان نفسه، عندما كان رئيساً للوزراء، ولمّا زار (الرئيس الارميني) لبنان، حيث تقيم طائفة ارمينية وازنة (معترف بها في النظام الطوائفي اللبناني) قابلته مظاهرات غاضبة ورافضة لهذا التطبيع المجاني مع حفيد مرتكبي الابادة، فلاذ الرجل بتفسيرات غير مقنعة وعاد خائب الرجاء، لم يسعفه سوى الاتراك انفسهم، عندما لم يصادقوا على الاتفاق، الذي بقي معلقاً في الهواء حتى اللحظة..
ولأن الرواية الارمينية لا تلتقي اطلاقاً مع الرواية التركية، بين ما وُصف بالابادة وحملات الترحيل والبطش والقتل على يد جيش الطورانيين المتطرفين الذين ارادوا ان تكون تركيا «نقية» من كل الأٌقليات والقوميات الأخرى، سواء كانوا مسيحيين ام مسلمين، عرباً ام أشوريين أم أرمن، وغيرهم من القوميات، فان الطرفين بقيا متمسكين بروايتيهما وبخاصة بعد ان ظهرت جمهورية ارمينيا الى «العلن».. كدولة مستقلة، إثر تفكك الاتحاد السوفياتي اوائل تسعينات القرن الماضي، فان المسألة الارمينية اكتسبت ابعاداً اخرى وجارفة، لأن الأرمن وجدوا من يتبنى قضيتهم من ابناء جلدتهم، وليس فقط ابناء المهاجر والمنافي واللجوء، الذي يعكسه الوجود الارمني في معظم دول المشرق العربي، وبخاصة في سوريا ولبنان، الامر الذي اربك الاتراك، سواء في عهد هيمنة العسكر وسيطرة الاتاتوركيين المطلقة على مفاصل الحكم والقضاء ام في عهد حزب العدالة والتنمية، الذي حاول طرح مقاربة مختلفة عن تلك التي كان يواصلها الاتاتوركيون وقواعد حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية، هذه القواعد التي لم تغادر منصة روايتها وبقيت في مربع انكار حدوث عملية ابادة منظمة بل إن المجازر التي ادعّى الأرمن أنها تمت على يد العثمانيين، لم تكن سوى صدى وارتدادات «طبيعية» للمجاعة والحرب الأهلية التي لم تخل من اخطاء وارتكابات، لكنها لا ترقى الى مرتبة الابادة الجماعية المنظمة، على ما واصل اركان حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم اردوغان نفسه.. القول حتى الان.
ثمة هوة إذاً ما تزال تفصل بين الطرفين ويبدو أن الطرف التركي قد بدأ مسيرة الخسارة او فقدان ما تبقى من تأييد لروايته، رغم نجاحه يوم اول من امس في جمع ممثلي اكثر من مائة دولة لمشاركته في احياء معركة الدردنيل عبر احتفال ضخم, أُريد منه ان يحجب إحياء الأرمن لمئوية الابادة، لكن النتيجة (التركية) كانت مخيبة للآمال حيث كانت الاضواء والاحتمالات مُسلّطة على «الاحتفال الأرمني» فيما لم يزد الاهتمام عن دائرة الخبر المحلي وبعض المتابعات العربية المتضامنة مع تركيا على اساس مذهبي ليس إلاّ.
ردود الفعل التركية الغاضبة بل اللاذعة والرافضة كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في احتفال يريفان واعتبارها خرقاً للقانون وباطلة من وجهة نظر انقرة، تشي بأن الأمور لن تقف بين موسكو وانقرة عند هذا الحد, رغم ان روسيا كانت ترى في ما جرى ابادة منذ وقت طويل. كذلك هي حال فرنسا وايطاليا وانضم اليهم لاحقاً بابا الفاتيكان فرنسيس الذي وصف اردوغان كلامه بـ «الهذيان» ثم جاء اعتراف البرلمان الاوروبي بالابادة، كذلك «النمسا» التي كانت حليفاً للدولة العثمانية ذات قرن ماضي ليزيد من عزلة انقرة ويُضعف روايتها ولا تفيدها كثيراً المقاربة التي تطرحها بترك الأمر للمؤرخين وليس للسياسيين مع استعدادها لفتح ارشيفها الكامل لهؤلاء المؤرخين.. ناهيك عن النفاق الذي يواصل اوباما تغليف تصريحاته به عندما يتجنب ذِكر مصطلح الابادة واصفاً ما حدث في 24 نيسان 1915 بأنه «مجازر مرعبة».
&