علي حسين


&

&

عندما قرر مصطفى علي ان يصدر صحيفة يومية باسم "المعول" كتب الى صديقه حسين الرحال انه لم يفارق المطبعة طوال الليل، حيث كان ينتظر صدور العدد الاول، ليعرف ما هو رأي القراء الذين سيطالعون الصحيفة وعلى صفحتها الاولى افتتاحية بعنوان "الهدم يحتاج الى المعول"، كان ذلك حوالي العام 1930، وكانت الافتتاحية توجه انتقادا ناريا الى الاوضاع السائدة وتدعو الناس الى تغيير طريقة حياتهم، ولم تستمر الصحيفة طويلا، ليس بسبب عزوف القراء، وانما بسبب الرقابة التي حاصرتها.
اليوم، تمر الصحف العراقية في ازمة حياتية فاصلة، والكثير منها تعاني مشاكل في التوزيع والايرادات، فيما تعيش الصحافة في البلدان العربية ازمة مشابهة، وقد انخفض توزيعها ودخلها الاعلاني، سيقول البعض، ان العامل الأساسي، هو منافسة وسائل الاتصال الاجتماعي والصحافة الالكترونية، بالاضافة الى انخفاض نسبة اهتمام الناس بالسياسة وفقدان الثقة بكل ما له علاقة بأحاديث السياسيين، وهذه حقيقة لاتقبل الجدال.


في السنوات الاخيرة تطوّرت الصحافة في العالم وتحوَّلت من الخديعة إلى الحقيقة، في الماضي كانت الصحف تتابع المسؤولين وتحركاتهم، لكن اليوم خبر ضياع طفلة صغيرة يمكن ان يطيح بالمسؤول الامني الاول، ومعلومات في مفكرة يمكن لها ان تضع بطلا قوميا مثل بيترايوس في السجن، قبل اشهر نشرت تقارير دولية يؤكد اصحابها فيها إن " الساسة العراقيين يحتاجون الى كتيبات تحوي على دروس عن القيادة وفن الحكم " ويهز المواطن العادي يــده ساخراً: ماذا فعلوا غير الفشل ثم يكمل ساخطاً: إنهم دمروا البلاد، على الضفة الأخرى نجد نواب القائمة الفلانية يرون أنهم الحصن الأخير للدفاع عن الطائفة، والوقوف بوجه مخططات الأعداء والمتآمرين.. فيما آخرون يقولون: لا تنتظروا شيئاً منهم، إنه لا يعرفون في العراق إلا مصالحهم الشخصية.
بالامس شاهدنا الجنرال الاميركي "بترايوس" يُقدم اعتذاره للصحافة الاميركية، لانه خدعها ولم يقل الحقيقة كاملة، قد تبدو حكاية بترايوس مكررة، لكن اعادة روايتها الان أمر مهم، ونحن نرى ضباطا كبارا ومسؤولين يرفضون رفضاً قاطعاً أن يوجَّه لهم سؤالا عما يحدث من خراب أمني، بل لا احد يجرؤ ان يقول من المسؤول عن مقتل العشرات من الجنود والضباط في الثرثار خلال الايام الماضية، ولماذا اختفى خبرهم من الصفحات الاولى ليستبدل بتقارير تريد ان توهم الناس ان الوضع تحت السيطرة، حكاية بترايوس تبين لنا حجم المسؤولية الاخلاقية لصاحب المنصب حين يكتشف ان تصرفاً، حتى وان كان بسيطاً يمكن ان يسبب ضرراً للبلاد..؟ وربما يهز جنرالاتنا ايديهم ساخرين وهم يقولون: إن أوباما ضعيف لأنه لم يستطع ان يحمي ضابطا كبيرا تقول سيرته الذاتية انه قدَّم خدمات جليلة للوطن..
الآن الصحافة في العالم سيف مسلط على رقاب المسؤولين، واكثر صفحاتها مخصصة لشؤون الناس، فيما نحن نهمل المواطن وننسى ان مئات المسؤولين نهبوا ثروات البلاد من دون ان يقول لهم احد "كفى"

&