عبدالله ناصر العتيبي

قبل يومين استضافت قناة الميادين (المُمانِعة) على شاشتها رئيس مجلس إدارتها الصحافي التونسي (المُمانِع) غسّان بن جدّو للحديث عن السياسة (المُمانعِة) لقناته تجاه مصر.

&

المذيع السابق في قناة «الجزيرة» قال كلاماً كثيراً عن مصر، وتغزل بهوائها ونيلها، ورمى الطاقية و(عوج وقال) قصائد مطولة في المصريين والثقافة المصرية.

&

تحدث وأسهب، لكن أهم ما قال في اللقاء في تقديري كان بخصوص معالجة قناته الإعلامية لمشاركة مصر في «عاصفة الحزم»، إذ بيّن ابن جدّو للمشاهدين أن قناة الميادين تعمدت تحييد مشاركة القوات الجوية المصرية في قصف الحوثيين؛ لأنه -كما يقول- يتفهم الموقع العروبي المهم لمصر، ويدرك دورها المستقبلي في المعالجة السياسية للأزمة اليمنية.

&

هكذا يرى الأمر ابن جدّو، لكن من جهتي أرى أن كلامه هذا يفتقر إلى الكثير من الصدقية، ولا أقول الصدقية كلها؛ إذ إن الجزء الخاص من كلامه عن نيل مصر وهوائها وأهلها حقيقي 100 في المئة.

&

ابن جدو من خلال قناته يمارس الدور نفسه الذي تمارسه بقية القنوات الممولة من سفراء إيران وداعمي سياساتها في المنطقة، فعلى مدار السنوات العشر الماضية كان الإعلام (المُمانع) أو المتمنع، وهو راغب كما يصفه الصحافي المصري أحمد رجب، يمارس ازدواجية غريبة في صياغة رسائله الموجهة ضد حكام وشعوب ما يُعرف بالدول المعتدلة، في كل مرة يتخذ فيها هذا الإعلام موقفاً مقابلاً وضدياً لسياسات هذه الدول، فإنه يسلك مسارين مختلفين. في الحال المصرية يحاول باستماتة أن يفصل الحكومة عن الشعب، ثم يبدأ في تمجيد النخبة المصرية المثقفة ومغازلة القطاع العريض من بسطاء الشارع، ثم يعود ليلتف في شكل سريع ومباغت باتجاه الحكومة المصرية ويرسل سهام الانتقاد المسمومة لقلبها لا بقصد إصلاحها وإنما لتركيعها أمام الإيراني الراعي الرئيس لهذا الإعلام أولاً وأمام شعبها ثانياً.

&

يفعل ذلك مع النخب المصرية بلا كلل أو ملل، لكن عندما يتعلــــق الأمر بشعوب الخليج وحكامها، فإنه لا يجد حرجاً أبداً فـي أن يتعـــرض بسوء للحكام والشعوب على حد سواء. الحكام عملاء لأميركا ومنفذون لسياساتها في المنطقة، والشعوب صحراويون ليس لهم من العلم والحضارة والثقافة شيء. هم فقط براميل نفط متحركة لا تحمل معها سوى الثروة والفساد.

&

دأب إعلام ابن جدّو وأصدقائه الممانعين طوال السنوات القليلة الماضية على تنفيذ هذه السياسة الاتصالية؛ اعتماداً على حقيقتين رئيستين: الأولى هي إمكان التأثير في السياسة المصرية من خلال استمالة النخب المختلفة في مصر، اعتماداً على فروقات الضغط التي تحدث عادة في المجتمعات ذات المكونات غير المتكافئة اقتصادياً، وكذلك إمكان حشد المعارضة الداخلية؛ كون ذلك أمراً متاحاً تفرضه القوانين الجمهورية على الورق.

&

الحقيقة الثانية: عدم القدرة على اختراق الشعوب الخليجية في مجملها العام في مناسبات سابقة عدة، والفشل الذريع الذي قوبلت به المحاولات الإعلامية السابقة في تغيير بوصلة هذه الشعوب، بعيداً عن شمال قياداتها، بسبب طبيعة العلاقة المعقدة التي تربط الأسر الحاكمة في هذه المنطقة بشعوبها، والتوازنات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخليجية التي يصعب على من هو من خارج المنطقة تفكيكها وتحليلها وفهمها.

&

هذا أمر مفهوم، درسناه ووعيناه منذ زمن، لكن الذي استجد هو عدم التعرض للسلطة التنفيذية في مصر، وهي تقصف حليف إيران في جنوب الجزيرة العربية! كيف صمتت الميادين وبقية القنوات «المتأرينة» عن انتقاد مصر، وهي ترى المقاتلات المصرية تضرب الوجود الإيراني في المنطقة؟ كيف تتجرأ على فعل الصمت هذا؟ أما لإيران نهي عليها ولا أمر؟! طبعاً من بدهي القول إن قنوات الممانعة استمرت في كيل التهم والسباب للخليجي، حاكماً ومحكوماً.

&

ابن جدّو يعرف أن المصريين في زمن السلم أمم شتى، لكنه يعرف أيضاً أنه عندما تدخل الدولة المصرية في المعترك الحربي، يتحول جميع المصريين إلى سيوفٍ في يد الحكومة. مناسبات عدة أثبتت ذلك، لذلك حرص على عدم مواجهة الحكومة المصرية في هذه الأوقات؛ خوفاً من انقلاب الإعلام المصري ضده، وهو يدرك جيداً أن الماكينة الإعلامية المصرية كفيلة بتقزيمه ونفيه خارج دائرة الإعلام العربي متى ما أرادت ذلك.

&

عندما تغيرت البوصلة من السلم إلى الحرب، تراجع بن جدّو عن انتقاد الحكومة المصرية؛ خوفاً على وجوده بالكامل، لكنه على استعداد في المستقبل لمهاجمة حكومة عبدالفتاح السيسي، كما هاجم قبلها حكومة مرسي وحكومة مبارك.

&

سؤال هذه المقالة: هل على الإعلام الخليجي أن يدعو ابن جدّو وأشباهه لانتقاد الحكومات الخليجية في السلم؛ كي يتحرك في أوقات الحرب وينتزع الإعلام المقاوم من جذوره؟ هل عليه المرور بالتجربة ذاتها؛ كي يتحرك؟ هل من مبادرة تتفق مع طبيعة هذا الإعلام أم على الميكروفونات أقفالها؟
&