&&هشام الغنام

&

&

&

&

&


&

&

قد تكون أحلام إيران بامتلاك السلاح النووي قد تأخرت لعقد أو أكثر بفعل ماراثون المحادثات الأخير، هذا بالتأكيد إنجاز ديبلوماسي مفرح ومفيد للإدارة الأميركية الحالية، كذلك هو إنجاز للإيرانيين، لكن هذا لا يعني أخباراً سارةً لبقية دول المنطقة.

أزعم أن امتلاك إيران للنووي وفشل الاتفاق، كان الخيار الأفضل لأنظمة المنطقة -على الأقل- في المدى المنظور. وبهذا الزعم لا أروِّج لضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية استباقية لإيران، ترسل أحلام النووي الإيراني إلى مستقبل بعيد، كما كان الكثير في الغرب يتوقع ذلك وخاب توقعه. على العكس تماماً أنا أعني ما ذكرته حرفياً آنفاً وهو أن حصول إيران على النووي كان هو السيناريو الأمثل لدول المنطقة، وعلى رأسها دول الخليج.

كانت إيران أقرب من أي وقت مضى للحصول على سلاحها النووي الأول، ومن دون الخوض في تفاصيل فنية قد تشتت القارئ، يكفي أن نقول إن إيران كانت قد تمكنت من إنتاج الدورة الكاملة للوقود النووي في فترة سابقة، ومن المعلوم أن الانتقال من هذه النقطة إلى إنتاج السلاح النووي ليس بالأمر الصعب. كانت إيران على بعد أعوام قليلة - حتى بوجود الحصار- من الوصول، كما يعتقد الكثير، إلى مبتغاها النووي ودخول نادي الكبار العالمي، لكن الإيرانيين على رغم هوسهم ظاهرياً بالعظمة، فضَّلوا الدخول في اتفاق قد ينهي أحلامهم بالحصول على سلاح النووي، فلماذا؟

الأمر عائد إلى طبيعة الأسلحة النووية، لأنها بطبيعتها أسلحة ردع تحرض على السلام والتعقل لا الهجوم وشن الحروب، كذلك لأن الأسلحة النووية ومنذ خروجها من حوزة الأميركي- المالك الحصري لفترة قصيرة - لم تعد أسلحة هجومية على الإطلاق. فما الذي سيفعل السلاح النووي لإيران وللمنطقة بشكل عام؟

إيران إذا امتلكت السلاح النووي فلن تتمكن الولايات المتحدة ولا إسرائيل صاحبة أكثر من 200 رأس نووي، على الأرجح، من شن هجوم عليها. عراق صدام لو كان يملك النووي لما غزته أميركا في 2003، ولما دخلت المنطقة برمتها في الفوضى التي لا تزال تعاني منها. ولو كانت ليبيا القذافي تمتلك النووي لما استطاعت قوى خارجية شن هجوم عليها بأي حجة كانت، لكن، دائماً يظل هناك احتمال بسيط لاستخدام النووي. السيناريو الذي قد يحدث فيه مثل هذا الأمر هو حرب تقليدية قد تنزلق إلى نووية، لكن هذا أيضاً مستبعد. الأمثلة عدة، مثل حروب باكستان والهند المتكررة، التي لم تتحول يوماً إلى نووية، لكن يظل هذا احتمالاً قائماً مهما كان ضئيلاً، وهذا الاحتمال الضعيف بالطبع مقلق.

هذا طبعاً على فرض أن إسرائيل لا تبادر بهجوم على إيران قبيل الوصول للمرحلة الأخيرة من إنتاج السلاح النووي، خطأ واحد قد يجر المنطقة إلى ويلات كبرى.

وعلى رغم ذلك كله، هذه سيناريوات كانت مستبعدة لو شرعت إيران في تطوير قدراتها النووية. السيناريو الذي كان سيحدث، بلا أدنى شك، هو امتلاك إيران للنووي، وعدم حصول أي ضربات عسكرية، لأن القادر على هذه الضربات يملك أضعاف القدرات الإيرانية وبإمكانه تدمير إيران بكاملها خلال ساعة من نهار، لو خطر في بال نظامها مجرد خاطرة التلويح باستخدام السلاح النووي.

السؤال المهم الآخر هو: هل كان سلاح إيران النووي سيحرض دولاً أخرى في المنطقة لتملك سلاحها النووي الخاص بها للتصدي لأي ابتزاز إيراني محتمل، على رأس هذه الدول السعودية وتركيا والإمارات؟ هذا أيضاً مستبعد، فالتاريخ النووي يثبت أنه لا دولة تمتلك السلاح النووي تمكنت من ابتزاز دول أخرى لديها حليف يمتلك السلاح.

في حال السعودية وتركيا والإمارات هذا الحليف هو الولايات المتحدة. أميركا ستظلل هذه الدول بمظلتها النووية، لذلك فمن المستبعد والمستحيل أن تتمكن إيران من ابتزاز هذه الدول بسلاحها النووي. من المستبعد أيضاً أن تسعى هذه الدول جدياً إلى امتلاك سلاح نووي، لانعدام الحاجة إليه بوجود المظلة النووية الأميركية ولارتفاع كلفته البيئية عليها. وحتى إن امتلك أي من هذه الدول السلاح النووي فلن يضيف حماية إضافية، أكثر من الحماية الأميركية الموجودة فعلياً.

إيران متدرعة بالنووي أمر يجب ألا يكون مقلقاً لدول المنطقة ألبتة، على العكس تماماً، تبعات الدخول إلى النادي النووي وكلفة السلاح النووي على دولة باقتصاد ضعيف مثل إيران والحفاظ على هذا السلاح، ستسهم في جعل النظام الإيراني أقل جرأة في خوض مغامرات غير محسوبة، وستسهم أيضاً في زيادة الاستقرار في المنطقة. وستترتب بالتأكيد على امتلاك النووي مسؤوليات أكبر على النظام الإيراني، ستخفف، بلا أدنى شك، من مراهقة هذا النظام السياسية، أو على الأقل لن تزيدها. فالعالم سيأخذ إيران بجدية أكبر وستخضع لمحاسبة أكبر.

المشكل في الاتفاق الأخير هو ببساطة، حدوث عكس هذا كله.

ببساطة كان السلاح النووي سيكبِّل إيران، أما إذا وُقع الاتفاق كما هو مقرر له، فستطلق يد النظام الإيراني للعبث في المنطقة، فلا سلاح نووياً تخشى الدول الغربية أو إسرائيل استخدامه. استمرار العقوبات الدولية كان بسبب العزم الإيراني على إنتاج السلاح النووي، أما في حال حدوث اتفاق فالعقوبات سترفع واحدة تلو الأخرى، هذا سيقوي إيران ويبعث فيها الحياة على الأصعدة كافة. فالنزاعات والصراعات بالسلاح التقليدي الدائرة في أماكن عدة في المنطقة، ويقف خلف معظمها النظام الإيراني، لا تهم الغرب كثيراً، وبالتأكيد لن تهتم لها إسرائيل المتحصنة بالنووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، من سيتضرر ويدفع ضريبة الاتفاق هو الدول العربية، وعلى رأسها دول الخليج العربي.

لا يخالجني أدنى شك وبأي منظار سياسي نظرت به إلى المنطقة، أن دول الخليج كانت ستكون في مأمن أكبر لو كانت إيران حصلت على سلاحها النووي. النظام الإيراني إلى حد بعيد عقلاني ذرائعي براغماتي يعلم أن السلاح النووي كان سيكون عبئاً ثقيلاً عليه، فلا يجب أن نعتقد بأن إيران قد خسرت أو تنازلت باتفاقها الأخير، بل هذا عين ما كانت تصبو إليه.

إن أرادت دول الخليج احتواء هكذا نظام فيجب التعامل معه من الآن فصاعداً على هذا النحو. النظام الإيراني ليس انتحارياً، ويهمه البقاء في السلطة بأي ثمن، التعامل معه كنظام متهور ومجنون سيضيع الكثير من فرص احتوائه وردعه أو حتى إيلامه.


&