أمين طلال

جنود عاصفة الحزم الذين يحملون السلاح بشر أسوياء، لم يقتلوا طفلا، ولم ينحروا شيخا، ولم يحرقوا المدنيين العُزّل، ولم يهدموا مسجدا أو يفجروا مستشفى، لأن أهداف حربهم محددة وليست مكائد ودسائس في الخفاء

&


إن آمنّا فعلا أن الحرب النظيفة أسطورة، فوالله قد صدِئت عقولنا وأصابها خلل لكثرة ما نشاهد من حروب غاية في القذارة، إن آمنّا بعدم وجود حرب نظيفة فهذا لأنه منذ زمن والأراذل من حولنا يخوضون الحروب بأساليب العصابات، يقتلون بشكل عشوائي، يدمرون الممتلكات، يفجرون الأبرياء، يقتلون العُزّل بالمئات، أراذل ينحرون ويسلخون ويرجمون ويحرقون، أفعالهم الدنيئة هي ما جعلتنا نضع القذارة عنوانا وحيدا للحرب.


القنابل في كل الحروب واحدة، الرصاص هو نفس الرصاص، لكن ما يحدد الحرب النظيفة من القذرة ليس نوع السلاح، إنما من يحمل السلاح.. ستكون الحرب قذرة إن كان حامل السلاح حاقدا ساخطا كارها للحياة، ستكون الحرب نظيفة إن كان حامل السلاح يحمله خوف على من يقف خلفه، لا كره فيمن يقف أمامه. أخلاقيات الجندي، مبادئه، قيمه، هي من يجعل الحرب نظيفة أو يجعلها غاية في القذارة، ولا علاقة لها أبدا للسلاح.


يتساءل دكتورنا في مقاله "أسطورة الحرب النظيفة": لا أعرف الاسم الذي ابتكر مصطلح "الحرب النظيفة"؟! حسنا، إن ما تم ابتكاره هنا هو المصطلح فقط، وإلا فمفهوم الحروب النظيفة موجود منذ القدم، ها هو "أبو بكر الصديق" – رضي الله عنه - يقف في جيش أسامة خطيبا: "أيها الناس، أُوصيكم بعشر فاحفظوها عني لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكله فإذا أكلتم شيئا بعد الشيء فاذكروا اسم الله عليه، وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقا".


إن مثل هذه المعاني هي ما تجعل الحرب، حرب تأديب لا تعذيب، حربا نظيفة لا قذرة، قارن هذا يا دكتورنا الفاضل بالحروب التي يقف خلفها اليوم ملالي إيران، كيف بـ"آيات الله" يتمرغون في وحل من الأحقاد، يتحركون من أجل أطماعهم، فيأمرون جندهم وأذنابهم بممارسة الخيانة كيفما أرادوا، أن يغلوا ويفرطوا ويسرفوا في القتل، أن يمثلوا بأجساد الأحياء والأموات على حد سواء، أن يقتلوا الأطفال فربما يكبرون ليصبحوا "دواعش"، أن لا يستثنوا من حقدهم الأعمى شيخا ولا امرأة ولا مدنيا أعزل وإن لجأ لبيت الله، أن يحرقوا الأشجار ويقتلوا الأنعام ويهدموا البيوت على رؤوس ساكنيها!
لقد سطعت الشمس يا دكتور، وما عاد الوقت ملائما لحجبها بغربال، كل من قرأ سطرين يستطيع أن يقوم بتنظيم ورصف بعض البكائيات، كلنا نستطيع أن نقول إنه لا وجود لحرب نظيفة في واقع الأمر، وإن السلاح النظيف هو ذلك السلاح الذي لا يؤذي مستعمله، وفي الحقيقة لا يستلزم الأمر أكثر من قراءة سطرين آخرين لمعرفة أن كل ما قيل مجرد هراء، إنه هراء لأنه مجرد كلام لا يشرح أي شيء.


أو لنقل إن مثل هذا الكلام لهو دليل إضافي على القذارة في الحروب، فالحروب كما هو معلوم ليست دائما قنابل ورصاصا، هنالك حروب رصاصها حروف وكلمات، غايتها تزييف الوعي وتشويش المفاهيم، جنودها مدربون على زرع الإحباط ودفع الجموع إلى الانكسار.


عموما، يحق لمن شاء أن يختار الجزء الذي يشاء من الحرب ليتأمله، هنالك من يتأمل فيما قبل الحرب، هنالك من يتأمل في النهايات والغايات، لا يوجد جزء هنا أهم من الآخر، فكل الأجزاء بالأهمية ذاتها، لكن إن كان الحديث يدور عن نظافة وقذارة فالجزء الأساسي في الحرب هو ما يحدث أثناء الحرب، لا قبل ولا بعد، لا البداية ولا النهاية إنما الآن.


وحتى الآن لم نشهد من "عاصفة الحزم" إلا أن جنودها الذين يحملون السلاح "بشر أسوياء" لم يقتلوا طفلا، ولم ينحروا شيخا، ولم يحرقوا المدنيين العُزّل، ولم يهدموا مسجدا أو يفجروا مستشفى، إنها حرب قامت تحت الضوء وليس في الظل، تدور في مكان مضيء وليس في الأزقة، أهدافها محددة ومعلنة وليست مكائد ودسائس في الخفاء، حرب جاءت للرد على محاولات "آل الظل" الذين أرادوا إفساد أرض اليمن بتصدير ثورتهم إليها.


الآن فقط هو ما يهم. لكن هل تحققت كل أهداف "عاصفة الحزم"؟ سأفترض أنها لم تتحقق جميعها، فإن حدث فهذا لا يعني أبدا أننا لسنا أمام حرب تسير نحو المثالية، إن لم تحقق المطلوب فسيتم في إحدى صفحات التاريخ تدوين أن قوات التحالف بقيادة السعودية نجحت في إثبات أن الحرب النظيفة ليست أسطورة كما يشاع، نجحت في هذا الأمر في الوقت الذي يئس فيه الناس لكثرة ما يرون الأراذل يخوضون حروبهم مدفوعين برغبات الانتقام الأعمى.


لم يحالفك التوفيق يا دكتور، المسألة ليست فقط مسألة غايات وأهداف، ليست مسألة أطماع ومصالح فقط، لكنها أيضا مسألة أساليب متبعة أثناء دوران الحرب، هذا هو محور الموضوع، إن أردت رؤية حرب نظيفة فيمِّم وجهك إلى صنعاء، وإن أردت رؤية كل قذارات الحروب فيمِّم وجهك نحو بغداد ودمشق، إلى أي مكان يخوض فيه الأراذل حروبهم بالنيابة عن آيات الضلال.
&