سعود البلوي

لا بد أن يكون هناك نشاط إعلامي احترافي يعكس حقيقة مرحلة الملك سلمان، ذات الإنجازات السريعة، لا سيما أنه رجل الإعلام الأول، فلا يمكن أن يظل الإعلام المحلي في هذا العهد الجديد يركن إلى التقليدية

&


فجر السابع عشر من يناير عام ١٩٩١، استيقظ السعوديون على انضمام قناة CNN إلى القناة السعودية الأولى لنقل الغارات الجوية الأولى لحرب تحرير الكويت التي دشنتها طائرة حربية كويتية، ثم تبع ذلك نشاط كبير تمثل في بث محتوى إعلامي متميز، في ظل عدم وجود أطباق بث فضائي وتعدد مصادر التلقي والمعلومات كما هو واقع الحال اليوم.
إلا أننا نتذكر المتحدث الرسمي باسم "عاصفة الصحراء" حينها المقدم أحمد الربيعان، بمؤتمراته الصحفية التي لم يكن هو من أذاع بيانها الأول، لكن نظرا لدوره الإعلامي المميز أصبحت ذكراه-قبل عقدين ونصف- وثيقة الصلة بالناس.


أمّا وقد بدأت "عاصفة الحزم"، فقد عرف السعوديون مستشار وزير الدفاع المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، من خلال مؤتمراته الصحفية المميزة التي تحدث بها بعدة لغات، جعلت منه نجما يتضاءل أمامه الضوء الآخر للإعلامي، إذ إن بعض "الإعلاميين" كانوا غير قادرين على استنطاق المعلومة بالحصول عليها بطريقة محترفة من مصدرها؛ مما أظهر ضعف كثير من الإعلاميين والصحفيين السعوديين غير المحترفين.
غير أن العالم تغير كثيرا ما بين العاصفتين، وأصبح مصدر الخبر متعددا، تتجاوز حالته إلى ما بعده من التحليل والقراءات العميقة والآراء المتباينة.


وبعيدا إلى ما بعد "عاصفة الحزم"التي كانت مفاجأة من "العيار الثقيل"، وحققت توازنا إقليميا وتحركا عربيا ودوليا، أجبر على الاعتراف بوجود دور كبير لدولة كبرى هي المملكة العربية السعودية، التي قادت تحالفا عربيا أجبرت به المعتدي "الرئيس السابق علي صالح وأنصاره الحوثيون" على الاعتراف بشرعية الرئيس هادي وحكومة اليمن الشرعية، وأنهت أي أخطار محتملة يمكن أن يتم بها تهديد الأمن الوطني السعودي والقومي العربي.


اليوم وقد بدأت عملية "إعادة الأمل" المهمة التي أعلنتها قوات التحالف العربية بقيادة السعودية، لا بد أن تكون قراءة واقع التعاطي الإعلامي لـ"عاصفة الحزم" ذات شفافية عالية ومفيدة؛ ومن هذا المنطلق برزت الانتقادات الكثيرة للطريقة التي أديرت بها هذه الحرب-إعلاميا- إذ إن ما تم تم إنجازه من نصر على الأرض، لم يوازِه انعكاس لهذا النصر، وتتمحور الملاحظات الإعلامية التي رصدتها من خلال الإعلام التقليدي السعودي "الصحافة والإذاعة والتلفزيون" على الآتي:
أولا: البطء في مواكبة الحدث، والتفريط في فرص الأخبار الحصرية والسبق الصحفي؛ مما جعل اللون الرمادي يرافق هذا البطء فيما يتعلق بصياغة الأخبار وتحليلها، وطرحها بقالب إعلامي مناسب يسهم في تشكيل رأي عام مقنع وصائب حولها.


ثانيا: التقليدية في تقديم التحليلات السياسية والعسكرية التي صوّرت بعض المحللين بصورة "المسؤول الحكومي"، من خلال استضافة أسماء تقدم رأيا لا رؤية معمقة ومقنعة، مما قد يضعف الموقف بدلا من دعمه.
ثالثا: في الوقت الذي تحدث فيه المتحدث العسكري بعدة لغات، كان المحتوى الإعلامي فيها موجها بلغة واحدة تقريبا، بل إنها رغم ذلك، لا تكاد تلامس طموح المتلقي العربي بوجود العديد من خيارات "التعرّض" لوسائل الإعلام العربية والأجنبية.


رابعا: في هذه "العاصفة" كنا ننتظر دورا موازيا لوزير الإعلام السعودي باعتباره وزيرا ومتحدثا باسم مجلس وزراء الدولة التي تقود هذا التحالف، بل إنه يمكن اعتبار الدور الذي قام به وزير الخارجية سعود الفيصل كان دورا مزدوجا فيما يتعلق بالإعلام والخارجية، بما يملكه من خبرة وكاريزما ولغة وحجة، على الرغم من التداخل بين الدورين أصلا في مهمات وزراء الخارجية في العالم.
خامسا: بقدر الحضور الإعلامي لإيران-وبعض حلفائها من العرب- وما صاحب هذا الحضور من محاولات للتشويش وصل لدرجة الشتائم والسباب، انعكس ضعفا على الحضور الإعلامي السعودي بالنسبة للمتلقي العربي والإسلامي، مما شكّل فراغا إعلاميا في هذا الجانب.


سادسا: لم يصاحب "عاصفة الحزم" حضور إعلامي دولي للمتحدثين -بشتى اللغات- من أصحاب القضية الذين يفترض أن يمثلوا الشرعية ويدعموها، في ظل استضافة بعض وسائل الإعلام العربية للطرف الآخر في القضية، وهم الحوثيون.


سابعا: على الرغم من وجود هيئة للإذاعة والتلفزيون، إلا أن الطرق والأساليب والمعالجات الإعلامية للمحتوى كانت ضعيفة ومكررة، قد تجعل المتلقي يُعرض عنها، كإعادة تجربة إيجاد المراسل الحربي على الحدود، والتي لم يصاحبها أي تشويق سوى عامل إثبات الطمأنينة، وهو لا يكفي!
ثامنا: تفوق الإعلام الجديد على الإعلام التقليدي، فرغم أنه "صوت الناس" ومنبرهم الحرّ الذي لا بروز فيه للجانب المهني والاحترافي على جانب التعبير عن الرأي، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي شهدت وجود نشاط إعلامي إلكتروني متميز بدءا من مرحلة ما قبل "الحزم" حتى مرحلة ما بعد "الأمل".


اليوم ينبغي أن يكون هناك نشاط إعلامي احترافي يعكس حقيقة مرحلة الملك سلمان، ذات الإنجازات السريعة والكبيرة والمتتابعة، لا سيما أنه رجل الإعلام الأول، عرفه وسبره عن كثب، فلا يمكن أن يظل الإعلام المحلي في هذا العهد الجديد ضعيفا يركن إلى "التقليدية" والقِدم في أساليبه، لا بل متخشبا بوجود هيئة صحفيين غير فاعلة، ورؤساء تحرير قضوا أعمارهم في مناصبهم المتعطشة للعطاء الجديد، وهذا ما يفسّر ضعف وسائل الإعلام الحكومية والخاصة. وما أدى أيضا إلى عدم وجود بيئة محفزة لنمو الإعلامي الفردي "إقفال" بعض الجامعات لأقسام الإعلام فيها، وعدم إقرار "التربية الإعلامية" في المناهج الدراسية، وهما ما يعول عليهما في صناعة إعلام محترف.
&