&عزت ابراهيم

&الشأن الداخلى فى مصر يشغل اهتماما خاصا فى دوائر صناعة القرار فى العواصم الكبرى خاصة فى الولايات المتحدة، التى ترتبط معنا بعلاقات استراتيجية قوية وتنسيق فى كثير من الملفات الاقليمية والأمنية على المستوى العربى والعالمى وتلك حقيقة ستظل قائمة الى أمد غير معلوم ولن تغير منها تطورات السياسة الداخلية سواء فى مصر أو فى الولايات المتحدة نفسها.

&

مازالت مجموعة من الثوابت تحكم العلاقات المصرية- الأمريكية رغم كل الشد والجذب فى السنوات الأربع الماضية حيث تتفهم المؤسسات صاحبة الثقل فى الجانبين أن هناك حدا معينا للخلاف وهناك إطار حاكم للعلاقات الثنائية لا يٌسمح بالخروج عنه أو تعريضه للقلاقل. فى لقاءات أجريتها فى الأيام الأخيرة فى واشنطن داخل دوائر صناعة القرار وفى مراكز الأبحاث المعروفة، ستنشر تفصيليا فى وقت لاحق، يوجد استيعاب الى حد كبير بتغير معطيات الوضع الداخلى فى مصر وأن هناك واقعا جديدا سواء نال التغيير قبول واشنطن أو لم ينل. باحثون كبار يرون أن الداخل المصرى يبالغ فى نقد المواقف الأمريكية من السلطة الحالية فى مصر ويرى أن الأهم هو أداء السلطة وليس آراء الآخرين ولا يرون أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون طرفا فى سياسات تهدف الى زعزعة الأوضاع فى مصر ولا تهديد الحدود أو رعاية جماعات أو تنظيمات معادية للدولة أو نظام الحكم فى تلك المرحلة لأن دقة المرحلة لا تحتمل وحجم التحديات لا يمكن التهاون بشأنه أو ترك مساحة كبيرة لتنازع الرؤى بين المؤسسات صاحبة النفوذ فى السياسة الخارجية والعلاقات العسكرية بين واشنطن وحليف تقليدى مثل مصر.

&

ربما لا نستطيع- فى مصر- الاقتناع بشكل كامل بالطرح السابق ويمكن أن نقدم عددا من البراهين المؤيدة للشكوك المصرية فى مواقف أمريكية بعينها خاصة بعد ثورة 30 يونيو ضد جماعة الاخوان المسلمين لكن التعامل مع الواقع دون افتراضات هى نصيحة فى محلها فى جميع الأحوال، فحجم مصر ومكانتها وثقلها يضع قيودا على الطرف الأخر وهو ما أكده مسئولون فى مواقع مهمة فى واشنطن، فربما يوجد خلاف بشأن ملفات بعينها، مثل الحريات العامة وسياسات التصدى لجماعات العنف ومدى قناعة الادارة الأمريكية بتضمين جماعة الاخوان على لائحة الارهاب، وهى آراء وسياسات قابلة للتعديل فى المستقبل لو جاءت الانتخابات الرئاسية المقبلة فى الولايات المتحدة مثلا بشخصية تحمل آراء مغايرة لما هو موجود أو وصلت حدود الارهاب والعنف فى مصر أو الشرق الأوسط الى مستويات تحتم التحرك بسياسة مختلفة. الخلاصة فى هذا الجانب أن هناك فى يقول فى الادارة ومراكز الأبحاث اهتموا بشأنكم الداخلي.. ولا تهتموا بمواقف واشنطن منها اليوم.

&

المسألة الأخرى التى تستلزم من القاهرة تحركا عملياً مختلفا هو طريقة تقديم أو شرح التهديدات الأمنية المحيطة بحدود مصر والتى تشكل عبئا ثقيلا على الأمن القومى المصرى فى تلك المرحلة، وقد طلب أكثر من باحث متخصص فى شئون مصر والشرق الأوسط أن تٌولى مصر اهتماما أكبر بشرح الموقف على حدودها الغربية مع ليبيا تحديدا لأنه رصيد مهم فى العلاقات الثنائية مع الدولة الأقوى فى العالم لم يتم استثماره بالشكل المناسب حتى الآن، ويقول الباحثون فى الشأن المصرى ان الحالة الليبية تمثل تجسيدا لنقاط القوة فى الطرح المصرى حول خطورة الجماعات الارهابية فى المنطقة وتهديدها الدائم للوضع الداخلي. على سبيل المثال، لم يتفهم الكثيرون الضربة المصرية ضد مواقع ارهابية فى ليبيا بعد المذبحة المروعة ضد المصريين قبل شهور وخرجت أصوات فى واشنطن ترفض دفاع مصر عن أمنها القومى وهو ما قوبل بغضب فى الداخل المصري، ويفسر متخصصون ما جرى فى تلك الواقعة تحديدا أن حقائق المصالح المصرية فى الشأن الليبى غير واضحة بشكل كاف وتحتاج الى ارسال فرق خاصة من الخبراء والمتخصصين تشرح فى مراكز الأبحاث والاعلام الأمريكى ما يجرى فى دولة الجوار وتوضح الروابط الوثيقة بين الجماعات الارهابية فى ليبيا وبين أقرانها فى مناطق أخرى مثل سوريا والعراق، حيث لا تتوقع من الأمريكيين تفهما كاملا للوضع دون شروح مصرية ويقول خبراء واشنطن ان تلك الاستراتيجية ستخفف الضغوط عن صناع القرار فى الجانبين خاصة القائمين على ادارة جهاز الدبلوماسية وتفتح المجال أمام تخفيف اللغة الحادة والتعميمات التى يستخدمها البعض دون دراية عندما يتناولون شئونا متصلة بالأمن القومى المصرى يرون أنها منفصلة عن الصورة الأكبر فى المنطقة بينما فى حقيقة الأمر هى تمثل مكونا رئيسيا ومفتاحا لتفسير أشياء كثيرة.
&