&عبد الله بن موسى الطاير


صبيحة يوم الأول من محرم 1400ه، استولى جهيمان وأبتاعه على الحرم المكي الشريف، وهي حادثة لا تنفك عن سياقاتها التاريخية منذ معركة "السبلة". استباحة الحرم كانت تالية للثورة الإيرانية، وسرعان ما صرح الخميني وقتها بأن أميركا تقف خلف الحادثة، موظفاً الحدث لخدمة مصالح الثورة في تعبئة الشارع الإسلامي. وبعد ذلك بعشرين يوماً احتل السوفيت أفغانستان. المناخ المحلي آنذاك كان مبشراً بنهضة كبيرة حيث الطفرة الاقتصادية الأولى والخطوات حثيثة نحو التحديث وتشييد البنى التحتية، فتقدمت التحديات على الفرص واضطربت الأولوليات..

ولأن غاية الإرهاب واحدة تتمثل في إضعاف المملكة في الداخل والخارج لصالح قوى أو منافسين آخرين، فقد جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001م في ذات السياق. فالأجواء السابقة لها شهدت اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000م، ووقفت المملكة بكل حزم في وجه الإسرائيليين والأميركيين، ورفض الملك عبدالله رحمه الله، وهو ولي عهد أنذاك، زيارة واشنطن، ووجه خطاباً شديد اللهجة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عام 2001م. كانت العلاقات السعودية الأميركية في أصعب منعطفاتها، وبدأت تتشكل حول موقف المملكة جماعات ضغط يمكن أن تلحق الضرر بسمعتي إسرائيل وأميركا، وأن تغير مجرى الصراع في الشرق الأوسط، فما الذي حدث؟ تدخلت القاعدة بهجومها الإرهابي على نيويورك وواشنطن فأجهضت الأمل وتحولت السعودية من الهجوم إلى الدفاع، وتوقفت الدعوة في الخارج، وتم التضييق على الأعمال الخيرية وأدى ذلك إلى انكفاء دور المملكة لمصلحة إسرائيل وإيران. ومرة أخرى يستهدف الإرهاب المملكة لتعطيل نفوذها الخارجي، وإضعاف حضورها على المسرح الدولي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وخدمة المسلمين ونشر رسالة الإسلام الخالدة.

اليوم حاول الإرهاب أن يضرب المملكة مجدداً، ولكن الله ثم يقظة الأمن السعودي أحبطت مخططاً مهولا تضمن تفجير سبع سيارات مفخخة واستهداف شخصيات أمنية رفيعة المستوى، تزامن ذلك المخطط الإرهابي مع الزخم المحلي والعالمي الذي حققته عاصفة الحزم التي رفعت معنوياتٍ وصلت إلى أدنى مستوى لها بسبب الأحداث الجارية واستئساد أتباع إيران سواء في اليمن أو لبنان أو العراق أو سورية. كانت عاصفة الحزم روحاً جديدة تنفسها المسلمون والسعوديون خصوصاً لتعبر بهم مفازات اليأس والهوان. وهنا تدخل الإرهاب مرة أخرى لتحقيق أهداف المنافسين للمملكة في الشرق الأوسط وبخاصة إيران وإسرائيل. ولذلك فإن داعش والقاعدة هما ذراعان تحركهما مخابرات دول أجنبية، وصلت الجرأة ببعض تلك القوى إلى التهديد داخل مجلس الأمن بقطع الأيدي وجز الرؤوس.

&

&

&

&

على وسائل الإعلام التي حققت سبقاً مثيراً بنشر قصص فشل يزيد أبو نيان في أميركا أن تعرف الآن أنها قدمت كنزاً لأعداء الوطن والمتربصين بشبابه، وكل مغرد عليه أن يدرك واجبه الأخلاقي تجاه وطنه ومواطنيه وأن يتأمل كل مفردة قبل اطلاقها..

&

&

&

&

&

ربما لم تتعرض دولة في الشرق الأوسط لتهديدات إرهابية بحجم ما تعرضت له المملكة، وفي الوقت نفسه لم تتهم دولة بالإرهاب بقدر ما اتهمت به المملكة، وذلك مؤشر على أن الذي يدير التهديد هو ذات الفاعل الذي يشوه سمعة المملكة في الخارج. التسليم ان المملكة مستهدفة لا يعني ارتداء جلباب المؤامرة، وإنما قراءة الأحداث وربطها بمسبباتها ونتائجها. المقدمات والنتائج تشير إلى إيران وإسرائيل، وإذا كان المحققون الجنائيون دائماً ما يبحثون عن المستفيد، وفي هذه الحالة يمكن تسمية إيران وإسرائيل. وعند البعض فإنهما لا تلتقيان، وهذا تصور قاصر، فقد التقتا في المدة من 1980 إلى 1983م، والتقتا عام 1986م، والساسة الإيرانيون لا يحاربون إسرائيل إلا من خلال وسطاء يمكن التخلي عنهم بسهولة مقابل أيّ صفقة. ومثلما أشرنا في مقالة الأسبوع الماضي فإن المتعاطفين مع إيران وجماعات الضغط التي كونتها في أميركا يدفعون بأن استقرار الشرق الأوسط يقوم على دعامتين هما إسرائيل وإيران. كما أن الباحثين المهتمين والموالين لإيران يقررون في دراساتهم بأن إيران ستعمل على فتح صفحة جديدة مع أميركا والغرب وإسرائيل، وهنا يكون حزب الله، وما سمي بدول الممانعة ليسوا أكثر من أدوات بيد السياسة الخارجية الإيرانية.

هل نحن في خطر حقيقي داخلياً وعلينا أن نكون في حالة انتباه دائم؟ الجواب نعم، ولكن درجة الانتباه هذه يجب أن تكون إيجابية بحيث لا يدخل المجتمع في حالة خوف؛ وهو ما يسعى إليه الأعداء والمنافسون، غير أن المنطق يستدعي أن يدرك كل واحد منا أن هذا الأمن الذي نعيشه وحياة الرفاهية مقارنة بالدول المجاورة مستهدف. وإذا كانت عاصفة الحزم هبّت، وانكشفت دون أن يدري البعض عنها أو أن يلمس تأثيراً محلياً لها، فإن ذلك مؤشر جيد من جانب ولكنه من جانب آخر ليس جيداً البتة. أن تكون بلدك في حرب فذلك يعني أن لهذه الحرب أعداء وضحايا، وأنهم سوف يعملون على الانتقام بطرق جبانة، يكون المواطن هو الجلاد والضحية فيها. نحن شعب نصل أحياناً لمرحلة السذاجة في مفهوم التوكل لأننا نغفل "اعقلها وتوكل"، وتنسحب السذاجة على البعض الذين يسلمون عقولهم وقناعاتهم لضباط المخابرات الإيرانية والسورية على أنهم أئمة الهدى، والخلفاء القادمون، وبالتالي يكونون طوع تصرفهم في تجنيد المزيد من صغار السن والذين يعانون من اضطرابات نفسية أو فشل في حياتهم العلمية أو العملية أو الاجتاعية، فيفتحون لهم أمل البطولة بتفخيخ عقولهم بالكراهية ومن ثم توجيههم للتخريب في وطنهم.

على وسائل الإعلام التي حققت سبقاً مثيراً بنشر قصص فشل يزيد أبو نيان في أميركا أن تعرف الآن أنها قدمت كنزاً لأعداء الوطن والمتربصين بشبابه، وكل مغرد عليه أن يدرك واجبه الأخلاقي تجاه وطنه ومواطنيه وأن يتأمل كل مفردة قبل اطلاقها. والحاجة ماسة لإعادة صياغة الحس الأمني لدى الجميع وبخاصة قادة الرأي، واتخاذ خطوات عاجلة وأخرى طويلة المدى ليكون تقدير الأمن والإسهام في بسطه ثقافة ممارسةٍ تلقائية، فوطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.
&