علي سالم

في المسرح نبدأ من البداية التي لا بداية قبلها. والصعب في ذلك أنك ستكتشف دائمًا أن كل بداية تسبقها بداية أخرى. لتكن البداية هي عندما أعلن الرئيس السادات عام 1977 في مجلس الشعب، أنه على استعداد للذهاب إلى آخر الدنيا من أجل القضية الفلسطينية.. على استعداد للذهاب إلى إسرائيل والحديث مع أعضاء الكنيست في القدس. وصفّق الجميع وكان من بينهم ياسر عرفات.


تصور الجميع أن ما عرضه السادات ليس أكثر من مبالغة كلامية لا تعني شيئًا واقعيًا. غير أن مناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل ورئيس حزب الليكود في ذلك الوقت أرسل له بالفعل دعوة عن طريق السفارة الأميركية في القاهرة، ووافق السادات على الدعوة. الأمر جدّ إذن لا هزل فيه. وكان رأيي هو: هذا واحد من أكثر الأفعال السياسية شجاعة في التاريخ. وبدأت أفقد أصدقائي منذ ذلك الوقت، كان من الصعب عليّ أن أكذب عليهم وعلى نفسي.


اعترض وزير الخارجية إسماعيل فهمي على سفره، ليس من الناحية السياسية، بل لسبب فني هو أن السادات لم يحصل على شيء مقدمًا في مقابل هذه التضحية الكبيرة. وتحمّل السادات هذه الضربة التي وجهت إليه وإلى مبادرته، وقام بتعيين محمد إبراهيم كامل. كان من المستحيل أن يقول له إنه حصل بالفعل من بيغن على وعد بإعادة سيناء كاملة. فقد سبق له أن طلب من تشاوسيسكو الرئيس الروماني أن يطلب من بيغن أن يرسل ممثلاً عنه ليقابل ممثلاً عن السادات في المغرب. فكان المندوبان هما موشي ديان وحسن التهامي (شخص غامض من رجال يوليو/ تموز 1952، في الغالب كان مخصصا للقيام بالمهام السرية في حكم عبد الناصر وبعده السادات رحم الله الجميع). كان السؤال الواضح الذي وجهه السادات لبيغن هو: إذا أتيت أنا إلى إسرائيل، وتوجهت إلى الكنيست عارضًا عليكم السلام، طالبًا منكم السلام.. هل أحصل على سيناء؟
وكانت الإجابة التي دفع بيغن ثمنها غاليًا بعد ذلك هي: نعم.


كان من المستحيل أن يخبر السادات إسماعيل فهمي بهذه الحكاية الكفيلة إذا عرفت في ذلك الوقت بفشل المشروع وتدمير الفكرة من أساسها. لذلك تحمل في صمت وواصل طريقه. الواقع أن رجال الخارجية المصرية كان من الصعب عليهم فهم آليات التفكير عند السادات. ويمكن القول ببساطة إنهم شكلوا عبئًا عليه في مفاوضات كامب ديفيد، ربما باستثناء عبد الرءوف الريدي. كان السادات قادرًا على رؤية الغابة، بينما انشغلوا هم برؤية الأشجار على حد قول السيد نبيل العربي في برنامج تلفزيوني. وذهب السادات إلى إسرائيل، وتابعته كاميرات العالم كله، كان أول زعيم سياسي في التاريخ يكتشف تلك القدرات الهائلة لكاميرات الفيديو. لقد استطاع أن ينقل بها مشروعه للسلام إلى كل بيت وكل قلب وكل عقل. لقد تابعه سكان الأرض جميعًا، بعد أن رأوا فيه آخر فرعون مصري يشيد هرمًا جديدًا هو السلام في منطقة مزقتها الحروب والكراهية لسنوات طويلة.. ونواصل الاحتفال بعودة سيناء.