أحمد يوسف أحمد

لعل الحديث عن انتهاء عاصفة الحزم أو وقفها لم يكن تعبيراً دقيقاً عن واقع الحال الذي وصلت إليه العملية، فمنذ الوهلة الأولى كان واضحاً أن هناك متغيرات استجدت اقتضت تعديلاً في مسار العملية وليس تغييراً له. أما التعديل فهو إعطاء الفرصة لجهود التسوية السياسية سواء كان ذلك لاعتبارات محلية أو عربية أو إقليمية أو دولية، وكذلك خلق مناخ أكثر ملاءمة لعمليات الإغاثة الإنسانية التي باتت ضرورية على ضوء التداعيات المتوقعة للعمليات العسكرية من الطرفين. وأما عدم التغيير فلأنه كان واضحاً منذ الوهلة الأولى أن توقف العمليات لا يعني من قريب أو بعيد السكوت على أي تحركات حوثية تهدف إلى تغيير ميزان القوى الراهن أو تعديله بدليل استمرار الضربات الجوية لأهداف حوثية عديدة بعد إعلان وقف العمليات.

&

ولعل أول المستجدات التي اقتضت تعديل المسار هو صدور قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يعد انتصاراً للتحالف العربي ومصدراً لشرعية دولية لا لبس فيها لعملياته العسكرية في اليمن وبالذات على ضوء ما فرضه من عقوبات في ظل الفصل السابع على الحوثيين وحليفهم صالح ومطالبته إياهم بالانسحاب من مواقع سيطرتهم وتسليم ما بحوزتهم من أسلحة استولوا عليها. غير أن للقرار أبعاده الأخرى المتعلقة بالتشجيع على استئناف الحوار وجهود الإغاثة الإنسانية الأمر الذي يجب أخذه في الاعتبار في إدارة العمليات العسكرية. ولاشك أن مما شجع التحالف على تعديل المسار أن العمليات العسكرية وإن لم تقض على الحوثيين إلا أنها كسرت شوكتهم، وربما الأهم من ذلك أنها قضت على العناصر الأخطر لقوتهم العسكرية وعلى رأسها الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية، ويضاف إلى ذلك تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن الأمر الذي قد يفتح الباب لتغيرات في توجهات الرأي العام اليمني.

وقد مهدت التطورات السابقة الطريق للحديث عن جهود مكثفة للتوصل إلى تسوية، وترددت في هذا السياق الأنباء عن مبادرة عمانية عقد كثيرون آمالاً عليها باعتبار أن الموقف السياسي العماني مؤيد في جوهره لموقف التحالف العربي غير أن سلطنة عمان انفردت عن باقي دول مجلس التعاون بعدم المشاركة في العمليات العسكرية، مما يجعلها أكثر قبولاً من غيرها من قبل الطرف الآخر. وقد كشفت وكالة الأنباء العمانية أن هذه المبادرة تتكون من سبع نقاط أولها انسحاب الحوثيين وقوات صالح من جميع المدن وإلزامهم بإعادة العتاد العسكري للجيش، والثانية عودة الشرعية ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمسارعة، ثالثاً، بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أسرع وقت ممكن. وتشير النقطة الرابعة إلى التوافق على حكومة جديدة تمثل أطياف الشعب، والخامسة إلى تحول الحوثيين إلى حزب سياسي شرعي، والسادسة إلى عقد مؤتمر دولي للمانحين لمساعدة الاقتصاد اليمني، وأخيراً دخول اليمن مجلس التعاون الخليجي.

وقد قيل في توضيح هذه المبادرة أن عودة الرئيس الشرعي ستكون صورية وأن السلطة الفعلية ستكون في يد نائبه وذلك في مقابل خروج صالح من اليمن وإنهاء أي دور سياسي له ولأسرته. وكذلك ترددت أنباء عن جهود بذلت في اتجاه التسوية في القاهرة حضرتها فصائل يمنية عديدة بمشاركة عربية. كما دعا صالح المتواطئ مع الحوثيين إلى قبول قرار مجلس الأمن في استمرار لمناوراته التي لا تنتهي. غير أن المهم في ذلك كله هو غياب أي مؤشر أكيد على تفاعل الحوثيين مع هذه المبادرات، فهم ما زالوا يطالبون بالوقف الكامل لإطلاق النار وهو ما من شأنه أن يتيح لهم تحسين أوضاعهم العسكرية قبل المفاوضات وأثناءها. وكذلك كان ردهم على مبادرة صالح بقبول قرار مجلس الأمن حاسماً ومؤداه أن ما طرحه صالح أمر لا يخصهم، وربما يكونون ما زالوا غارقين في وهم تحقيق السيطرة الكاملة على اليمن أملاً في انشقاق الحلفاء وغضب الشعب اليمني من العمليات العسكرية واستمرار الدعم الإيراني. ولعل في التكييف الإيراني لقرار وقف العمليات العسكرية باعتباره هزيمة للتحالف العربي ما يساعدهم على هذا العمى في الإدراك، ويعني كل ما سبق أن ثمة جهوداً مضنية ما زالت مطلوبة من أجل عودة الاستقرار والتماسك إلى اليمن.


&