&نوال السعداوى

&

&

&

فى مطار تونس كان فى استقبالى شابات وشباب بالورود، قرأوا لي، ومن قبلهم قرأها آباؤهم وأمهاتهم، كانت كتبى مقررة بالمناهج التعليمية منذ عصر بورقيبة،


شعرت أننى فى وطنى بين أهلى فالوطن عندى تجاوز حدود الأرض والجغرافيا وتجاوزت العائلة حدود البيولوجيا وروابط الدم.فى مدينة لاهاي، شاهدت بالمهرجان السينمائى الدولى (22 مارس 2015) فيلما تسجيليا، 52 دقيقة، عن مسيرة حياتى منذ الطفولة قدمته المخرجة الألمانية كونستانز بوركارد، بعد هولندا قررت زيارة تونس، كان الحادث الإرهابى الذى قتل فيه 22 سائحا بمتحف باردو بتونس (يوم 18 مارس) حديث العالم، وقالت صديقتى الهولندية: تونس مكان خطر الآن؟ وسألتها: هل هناك مكان ليس خطرا؟فى معرض الكتاب الدولى بتونس (27 مارس) وجدتنى بين مئات الشابات والشباب، يقولون عن أنفسهم أبنائى وبناتى وأحفادى وحفيداتي، منهم وزيرة الثقافة، (لطيفة الاخضر) أصبحت مستقلة بالحكومة التى يرأسها الآن الحبيب الصيد، بدأت فى حزب المسار الذى كان الحزب الشيوعي، قالت هذا المعرض للكتاب سيتحول إلى فضاء فكرى عقلانى لقد حققنا قطيعة مع الماضى البغيض الذى روج الكتب الصفراء ونشر الفكر الخرافى، يحتل الكتاب مكانة مركزية فى الثقافة، والثقافة هى سلاحنا الاستراتيجى ضد الثقافات المدمرة.كانت الزيارات ممنوعة لمتحف باردو منذ الحادث الإرهابي، لكن مديره منصف بين موسى سمح لى بالزيارة قرأ كتبى بالمدرسة وقال: كتبك لعبت دورا فى تكوينى الفكرى وطلب من الباحثة الدكتورة عزيزة مرايحي، ترافقنى كمرشدة افتتح المتحف عام 1888 يشمل خمسة آلاف متر مربع من الفسيفساء واجزاء من القرن 15 حتى القرن 18 و19 يجمع بين خصائص العمارة الموريسكية والتأثيرت الايطالية زخارف النقش على الحجر لوحات مربعات الزليج المصنوعة من افران القلالين او خشب السقوف المطلى بالدهان والمذهب تم توسيعه من 2009 إلى 2012 يعكس تنوع التراث التونسي، من قبل التاريخ، والفترة البونية، والحاضرة النوميدية الكنز المستخرج من اعماق البحر فى عرض ساحل المهدية اواخر الفترة العتيقة الحقبة الرومانية والعصر الاسلامى اللوحات الفسيفسائية ومجموعة المنحوتات بقاعة الأباطرة وقاعة قرطاج والتوابيت المنحوتة فى الصخر اما اللوحة الفسيفسائية الكبيرة فى البهو الرئيسى فتمثل »انتصار نبتون« ويظهر فيها الشاعر فرجل بصدد كتابة الإنياذة.

&

&

&

عند تمثال الاله ابولون رأيت حفرة بالارض وقالت المرشدة: هذه احدى رصاصات الإرهابيين، ورأيت مفرا اخرى فى الارض صنعتها الرصاصات بجوار عدد من التماثيل منها الألهة المصرية إزيس، وتمثال فينوس إله الجمال، والألهة بخوص ( باكو) إله الخمر أما تماثيل زوجات الأباطرة الرومانيين فقد نجت من الرصاص ربما لقوتهن السياسية إذ حكمن الفترة الرومانية فى تونس، ويشمل المعرض فسيسفاء 4 الاف سنة من الحضارة الفينيقية والبونية والرومانية والبيزنطية والاسلامية: الاغالبة وعاصمتها القيروان،والفاطمية، الشيعية وعاصمتها المهدية والحفصية وعاصمتها تونس، من القرن 12 حتى القرن 15 إلى العثمانية التركية 1574 حتى حدود استقلال تونس 1956.

&

&

قالت صديقاتى التونسيات: رب ضارة نافعة، هذا الحادث الإرهابى جعل تونس محط أنظار العالم وهذه المسيرة العالمية ضد الإرهاب، (29 مارس 2015) تنطلق من ساحة باب سعدون بمشاركة الشعب التونسى مع شعوب العالم ورؤساء الدول، يتقدمهم رئيس تونس نحو متحف باردو، حيث يدشن النصب التذكارى لضحايا العملية الارهابية وشعارنا: بوحدتنا ننتصر على الإرهاب».

&

&

فى معرض الكتاب دار الحوار حول: ما هى جذور الارهاب وما هى القوى الخارجية الداخلية التى تسانده سرا وعلنا؟ ما الذى جعل تونس من أكبر المصدرين للشباب الإرهابى؟

&

&

واستطاعت القوى الخارجية الاستعمارية منذ القرن19 ان توظف الفكر الدينى السلفى الجهادى لضرب الفكر العقلانين المستنير فى بلادنا والهدف هو الاستيلاء على الموارد الاقتصادية، خاصة «البترول» فى ايران والعراق وليبيا والسودان ونيجيريا غيرها، ولتقسيم شعوب المنطقة وجيوشها لاضعافها خدمة لإسرائيل، لاتختلف عقلية السلفى الجهادى فى هذا القرن 21 عن عقليته فى القرون السابقة باعتباره مندوب الله على الارض لتطبيق شريعته المقدسة يقبل الجهادى السلفى على القتل والسبى بمتعة كبيرة طمعا فى الجنة بعد الموت.

&

&

هذه العقلية التكفيرية القاتلة تقربه من ربه الاكبر، نموذجه الاعلي، الذى امره بقتل الكافرين فى كتبه المقدسة.

&

&

طغى هذا الفكر العدمى على الجماعات التى مولتها وسلحتها الحكومات الاستعمارية (بالتعاون مع الحكومات المحلية) منهم جماعة الإخوان المسلمين وفروعها فى العالم من حماس والقاعدة والطالبان إلى داعش وبوكو حرام غيرها.

&

&

يتصور السلفى الجهادى فى هذه التنظيمات السياسية العسكرية انه يرضى ربه الذى يفرح لرؤية الدماء، لا تختلف عقلية الإرهابى التونسى عن اى ارهابى فى الشرق والغرب، إذ يصبح القتل والنحر مفخرة واهم قيمة من الصلاة للحصول على رضا الرب، وهناك عدد كبير من النصوص المقدسة التى تحرضهم على القتل والذبح باسم الله ولن نحل هذه المعضلة الا باعادة تفسير هذه النصوص، وتغيير المناهج التربوية والتعليمية والدينية، ومراجعة الثقافة الاسلامية كلها فى الحياة الاجتماعية من الاسرة الى المدرسة والجامعة والاحزاب السياسية والجمعيات المدنية ومؤسسات الدولة بهدف القضاء على ثقافة الخرافة فى تونس وغيرها من البلاد الاسلامية التى تحشى بها العقول منذ الولادة حتى الموت.
&