الياس حرفوش

ما هو السر وراء حملة الترويج التي يقوم بها الرئيس باراك أوباما، للدفاع عن الاتفاق النووي الذي تم التوصّل الى إطار له هذا الأسبوع في لوزان بين إيران والدول الغربية، وكأن مصير إدارته بل مصير الولايات المتحدة مرتبط بنجاح هذه الصفقة الغامضة بين واشنطن وطهران؟

&

أسرع أوباما الى وصف ما توصل إليه المتفاوضون في لوزان بـ «التاريخي»، مع أن حبر صيغة التفاهم لم يكن قد جفّ بعد، وكل شيء ما زال متوقفاً على توقيع الاتفاق النهائي في آخر حزيران (يونيو) المقبل. ثم بادر الى الاتصال بقادة دول مجلس التعاون لدعوتهم الى كامب ديفيد، لمحاولة تسويق الاتفاق في منطقة الخليج. ويبدو أن أوباما مستعدّ لخوض معركة مع الكونغرس بمجلسيه، لمنعه من تعطيل هذا الاتفاق.

&

كل هذا يدفع الى السؤال عن الدوافع وراء هذه الحماسة «الأوبامية»، مع أن الرئيس الأميركي قلّما أبدى أي حماسة لحلّ القضايا المصيرية في منطقتنا، وفي مقدمها القضية الفلسطينية، حيث رضخ أوباما لتعنّت نتانياهو وعرقلته عملية السلام، على رغم الوعود والتهديدات السابقة بضرورة وقف الاستيطان وقيام الدولة الفلسطينية. كذلك، تخلّى أوباما بصورة فاضحة عن الشعب السوري، الذي يتعرض منذ أكثر من أربع سنوات لأسوأ كارثة إنسانية عرفها هذا القرن. وهو الآن يقف موقف المتفرج حيال انهيار الدولة اليمنية على يد النظام الإيراني وحلفائه هناك، ما دفع دول الخليج الى أخذ زمام المبادرة لحماية نفسها من هذا التمدد الخطير الذي وصل الى أبوابها.

&

إذا كان أوباما حريصاً، كما يقول، على حل مشكلة البرنامج النووي الإيراني بالطرق الديبلوماسية والسلمية، وهذا حرص منطقي، فإن أفضل الطرق لمعالجة هذه المشكلة كان يفترض أن تتم من خلال إشراك المعنيين مباشرة بهذا البرنامج والقلقين من تطويره في المفاوضات، وهم جيران إيران في منطقة الخليج، الذين تم استغيابهم عمداً عن التفاوض الذي بدأ سرياً مع طهران، وكان يمكن أن يستمر كذلك لو لم يعمد الإيرانيون الى تسريبه بهدف واضح، هو ابتزاز الجانب الأميركي. غير أن المفاوضات التي جرت في سويسرا، استبعدت الأطراف المعنية وجرت بين إيران وأطراف (هي الدول الست) لا تشكل إيران ولا برنامجها خطراً وتهديداً مباشراً لها. وهكذا، فإن الجانب الذي فاوض وقدّم التنازلات لإيران بهدف الاتفاق معها، هو الجانب الأقل تضرراً من سياستها ومشروعها.

&

يتضاعف القلق في المنطقة من النتائج التي سيخلّفها الاتفاق مع إيران، عندما يقرأ المعنيون ردود فعل الإعلام الموالي لها على هذا الاتفاق، والذي جرى وصفه من جانب هؤلاء بأنه «رضوخ غربي» أمام طهران. فهناك شعور في هذه الأوساط، بأن هذا الاتفاق سينتهي الى رفع العقوبات عن إيران، مع أن العقوبات كانت عامل الضغط الرئيسي الذي دفعها الى قبول مبدأ التفاوض. وسيؤدي ذلك الى تعزيز وضع إيران المالي والاقتصادي. فإذا كانت طهران قادرة على تنفيذ مشروع هيمنتها على المنطقة اليوم في ظل نظام العقوبات، فكيف ستكون الحال بعد رفعها؟

&

من أخطر جوانب الاتفاق، في نظر منتقديه في المنطقة العربية، أنه ترك الجانب الإقليمي المتعلق بدور إيران جانباً، وركّز فقط على ما يتصل بالمشروع النووي، مع أن مفاعيل هذا المشروع لا تزال في علم الغيب، بينما أخطار الدور الإيراني في المنطقة قائمة وواضحة. أما الرهان على أن التفاهم مع إيران سيعيدها الى الأسرة الدولية وسيجعلها «دولة طبيعية»، فإنه يتجاهل الإيديولوجية التي يقوم عليها النظام الإيراني والمرجعية الأخيرة لاتخاذ القرار فيه. إيران كما نعرفها اليوم، لا تستطيع أن تكون «دولة طبيعية»، لأن هذا يعني انهيار الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الإسلامية، وفي صلبها حالة العداء للغرب ولحلفائه في المنطقة، مع ما يستتبع ذلك من وجهة نظر طهران من تصدير لثورتها الى سائر الدول المجاورة. هذه هي الإيديولوجية التي أعلنها الخميني قبل 35 سنة، والتي نرى مفاعيلها اليوم كما يمارسها حلفاء إيران في معظم الدول العربية، من حروب داخلية وإثارة للنعرات المذهبية وهيمنة كاملة على المؤسسات السياسية، أو تعطيلها وشلّها إذا فشلت الهيمنة.

&

هذه هي مصادر القلق في المنطقة العربية حيال المشروع الإيراني. وما البرنامج النووي سوى واحد من مصادر القلق هذه، لكنه ليس السبب الأساسي ولا العامل الملحّ في هذه المرحلة.
&