شتيوي الغيثي

مآلات الحروب أهم من الحروب نفسها، والعمل على تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي لليمن يمكن أن يكون في عدد من الاستراتيجيات العسكرية والاقتصادية مع تعزيز الكثير من القيم الاجتماعية

&


ما حصل في اليمن من صعود الحوثيين ودخولهم في الحرب مع غالبية أطياف المجتمع اليمني، واضطرار تدخل قوات التحالف، يمكن له أن يتكرر ويحصل في غالب البلاد العربية. الواقع السياسي المتردي في اليمن كان يفترض التدخل السريع. ماذا لو أن الحوثيين استطاعوا السيطرة على عدن، ومن ثم بسطوا نفوذهم على باب المندب؟! بالتأكيد أن الأمور ستسير إلى الأسوأ . يعاني الحوثيون الآن من عزلة سياسية داخل المحيط العربي. وهذا هو مصير كافة الأصوليات الدينية شيعية كانت أو سنية في محاولة فرض قوتها العسكرية على المجتمع، وكما فعل الحوثيون باليمن كذلك فعل تنظيم داعش في العراق إلى أن استلزم الحرب ضده من قوات تحالف أكبر ورفض شعبي عراقي تجاهه، وكما تفعل الميليشيات الشيعية كذلك في العراق وسورية.


الحروب الدائرة الآن هي حروب سياسية وليست طائفية وإن كانت الطائفية موجودة، لو أن القاعدة في اليمن مثلا استطاعت السيطرة على اليمن كما فعل الحوثيون لربما قامت حرب ضدهم كما قامت ضد الحوثيين، فالمسألة سياسية خالصة وربما دخلت الطائفية كلعبة من ألعاب السياسة، فلا وجود هناك لحرب عادلة أو حرب غير عادلة، هناك ضرورات سياسية لتدخل كما فعلت قوات التحالف العربي في اليمن أو عنجهية سياسية كما فعل الحوثيون ومن ورائهم قوات علي عبدالله صالح. العدالة سوف يحققها الشعب اليمني في طرد هؤلاء الحوثيين أو عزلهم سياسيا، وتحقيق التوازن في اليمن إلى جانب حفظ الأمن من قوات التحالف العربي.


منذ سنوات كان وجود الحركة الحوثية في شمال اليمن مقلقا جدا ونموهم كان غريبا ومصنوعا بعناية لزرع الفتنة داخل اليمن بتواطؤ يبدو من الحكومة اليمنية التي ثار عليها الشعب وعادت لتعيث في اليمن الفساد، إذ يبدو أن اليمن دخل في مشاكل طويلة استلزمت التدخل العسكري الحالي، لكن الحديث عما بعد الحرب يستلزم التفكير فيه من الآن، فاليمن على كف عفريت كما يقال.


في مثل هذه الأجواء السياسية تنشأ التنظيمات السياسية ذات المنزع العنفي وتتنوع حسب المعطيات السياسية، ومدى الاستقرار السياسي هو ما يمكن أن يكبح جماح مثل تلك التنظيمات، وقد كشفت الحركة الحوثية على قدرة التنظيمات الوصولية بشكل عام على التسلل داخل المجتمع وإفساد الأمن الاجتماعي داخله متى ما وجدت بؤرا للصراع السياسي عن معطيات فكرية لفهم التحرك الأصولي الإسلامي على اختلاف المرجعيات.. طبعا لا يمكن اتهام المذهب الشيعي الذي حاولت أن تتكلم باسمه هذه الحركة، لفرضية بسيطة تقوم على أن المذاهب متعددة الفكر ومتفاوتة الاعتدال أو التطرف والتشدد داخل المذهب الواحد، وقد أثبت شيعة السعودية قيمة الاعتدال والحس الوطني في الوقوف مع الدولة في حربها على الحوثيين وهذا مثال فقط على هذه الفرضية.


أقول: كشفت الحركة الحوثية عن أسباب سياسية واجتماعية لفهم طرائق تكوّن التنظيمات ومنزعها إلى العنف وانتشارها في البلاد، ويمكن فهمها من خلال علاقة ثلاثية الجوانب هي: الفئوية بكافة تمظهراتها (الطائفية والقبائلية والحزبية)، والتنموية وإشكالاتها الاقتصادية، والتدخلات السياسية الخارجية كما فعلت إيران مع الحوثيين، لذلك يمكن العمل على هذه الأمور الثلاثة وقطع الطريق على تلك التنظيمات المسلحة من داخل البنية الاجتماعية، وقطع الطريق من جهة أخرى على التدخلات الخارجية التي تنمي مثل تلك البؤر السياسية وهذا ما يمكن العمل عليه في مرحلة ما بعد الحرب على الحوثيين.


إن العمل الفئوي التي تعتمد عليه التنظيمات المسلحة أو تستخدمه بعض الدول ذات التفريق العنصري الديني أو الاجتماعي، يقوم على الضد من مفهوم المواطنة في البلد الواحد؛ إذ تقدم مصلحة الفئة والطائفة والقبيلة على المصلحة المشتركة بين الأطياف المختلفة، وتتوتر الأوضاع أكثر حينما تجنح الدول إلى التمييز الفئوي بين مواطنيها، أو هيمنة فئة على الفئات الأخرى بحيث تلغي الصوت الآخر المخالف لمرجعيتها الثقافية سواء كانت دينية أو فكرية أو اجتماعية.


إلى جانب ذلك، فإن الإشكاليات الاقتصادية وعدم تكافؤ العملية التنموية يعزز من إشكالية التمييز الفئوي، ومن هنا نرى كيف أن حركة صغيرة كالحوثية استغلت هذا الجانب لتنتشر بشكل غريب داخل اليمن، كما أن الاقتصاد اليمني مهتز جدا مما يجعل الشعب اليمني في أزمة اقتصادية طال أمدها أكثر مما يجب، ولذلك فتعزيز الاقتصاد اليمني والاستثمار في التنمية الاقتصادية والبشرية مهم جدا لإبعاد اليمن لاحقا من أي اضطرار لفتح اليد لأي دول أخرى يمكن أن تستغل الواقع الاقتصادي المتردي لليمنيين وزرع بؤر سياسية متوترة.


ما يهم الآن هو ما بعد الحرب على الحوثيين، فمآلات الحروب أهم من الحروب نفسها والعمل على تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي لليمن يمكن أن يكون في عدد من الاستراتيجيات العسكرية والاقتصادية مع تعزيز الكثير من القيم الاجتماعية التي كانت بنية المجتمع اليمني تقوم عليها منذ زمن طويل من قبول التعددية والتسامح، وما يفترض هنا تعزيز قيم المواطنة ودفع عجلة التنمية والمشاركة السياسية للمواطنين هو ما يمكن في ـ رأيي ـ الحد من توسع الأصوليات المختلفة، سواء مثل الحوثيين أو حتى تنظيم القاعدة في اليمن، وإلا سوف نشهد العديد من الصراعات السياسية التي تبحث عن أي فرصة قد تسنح لها في الخروج على الدولة بحكم التوتر السياسي الداخلي، واستقرار اليمن هو استقرار لكافة الدول العربية وبالتحديد دول الخليج العربي، ويكفي ما عاناه اليمنيون طويلا من توترات سياسية وانهيارات اقتصادية أفقرت عددا كبيرا من الشعب.
&