عبدالله العوضي

حصلت إيران على الجائزة قبل الكبرى في يونيو المقبل عبر سلسلة من التنازلات التي بدأت تلامس العظم الإيراني في الداخل بعد إماطة الأذى عن طريق الاتفاق النووي الذي اختصر كل المطبَّات السابقة في عام جدل عناء عشرة أعوام ماضية.

قبل أن تستلم إيران هذه الكبرى من الجائزة المرتقبة ثمة استحقاقات مهمة على إيران الانتباه لها ودفعها لمن يهمها هذا الأمر في هذه المنطقة التي بدأت تذوق مرارة وويلات التدخلات الصارخة في الشؤون العربية الداخلية، فهي حلال عليها فعل ذلك ولا تقبل تحفظات من أحد وحرام على بلابلنا الغناء بذات اللحن على جراحنا التي أدمتها مخالب إيران في الأجساد العربية ابتداءً من لبنان، وليس طبعاً انتهاء باليمن الذي غاص في طائفية لم يعرفها على مر الأزمنة الغابرة والعابرة والحاضرة، حتى جاءت تدخلات إيران لإحيائها من بعد موات، فهل في ذلك شيء من الإنصاف السياسي على أقل تقدير.

&


وما هو مطلوب من إيران هذه الأيام بالذات، لأنها تعيش عصراً جديداً من «الغرور» السياسي المبالغ في نتائجه السلبية على المنطقة برمتها. ما نريده من إيران هو تغيير سلوك تصدير الثورات العابرة لكل الأوطان القومية للدول باسم شعار زائف خلقته إيران الجمهورية منذ أكثر من ثلاثة عقود ألا وهو نصرة المستضعفين في الأرض، فهي التي استضعفت شعبها الكريم من بناة الحضارات الإنسانية منذ القدم إلى شعب لم ير من نفوذ نظامه في الخارج غير الدمار، فلم تبن إيران في مواقع امتداداتها السلبية جسراً للتواصل الحضاري فضلاً عن الإنساني بين الأمم، فكل ما قامت به طوال العقود الماضية هو تهييج العواطف والعواصف الغارقة في الطائفية كلما حلّت ضيفاً ثقيلاً في أماكن تواجدها عنوة، فإذا لم يكن الأمر كذلك، فماذا يعني تصريح كلمة دولة الرئيس اللبناني في القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ بأن القرار السياسي في لبنان حبيس لدى نصر الله ومن يقوم بدعمه جهاراً نهاراً، وهذا هو سر تراكم الأزمات في لبنان العروبة منذ عقود، وهو ما لم يعد سراً ولكن أكثر الأسرار وضوحاً وتفشياً.

في مثل هذه الأوضاع المقلوبة على رأس العرب، وليس الغرب الداعم لإيران ومشاريعها التوسعية، على العقلاء في إيران إعادة دولة إيران الاعتبارية إلى مكانتها اللائقة في تاريخ الأمم والشعوب المتحضرة فمن حق المنطقة عليها احترام سيادة الدول المجاورة وخاصة وأن إيران ذاتها لا ترضى أبداً من أي طرف متضرر في سياساتها التدخلية أن تطول يد أي دولة عربية لقلب ظهر مجن الداخل عليها وهي التي تدرك جيداً حول معاناة الشعب الإيراني الذي لم ير في داخله المحلي مشروعاً حضارياً يرفع من رأس الإيرانيين عالياً، وإذا كان المشروع النووي اليوم يربطه النظام بهذه الرفعة، فليس ذلك كل ما يحتاج إليه الشعب الإيراني اليوم، لأن ما فقدته من الثروات الطائلة في بلدان التماس الإيراني أضعاف ما يصرف على الشأن الإيراني الهام لكل فرد يبحث عن لقمة كريمة تعيد لإيران الخوالي عن أيام العافية المعروفة في التاريخ العتيد لهذا الشعب الذي عرف بالذوق الرفيع في كثير من تفاصيل حياته الغابرة وقد أصبح اليوم غبرة ترهقها قترة.

إيران تستميت بكل ما تملك من قوى ناعمة وخشنة لتثبت لأميركا وكافة الدول الغربية، براءتها من النووي الحربي، في حين تعيث بكل تلك القوى في أكثر من دولة دماراً، فهل سمعنا يوماً عن مشروع تنموي مستدام في لبنان أو سوريا أو العراق من تمويل إيران، أم سمعنا عن الحرس الثوري وصوت المليشيات العالي وسليماني قائد حرس المجازر والمذابح الطائفية الصارخة، أينما وجهت مؤشر وسائل الإعلام المختلفة، سواء عبر قنواتها الخاصة أو ما يسمى بالعابرة لحدودها الجغرافية الممتدة في العمق العربي ولكن بموجات فارسية لا علاقة لها بالإسلام المزعوم خيراً، بل شراً مستطيراً.

فإذا كان هذا الاتفاق سيعطي إيران المزيد من النفوذ في منطقتنا العربية، فإن السياسة الخارجية العربية بشكل عام يجب أن تراجع نفسها عبر هذه الخطوط الإيرانية العابرة لكل شيء اسمه وطن عربي خالص من الشوائب الفارسية والأنفاس الإيرانية الآسنة.

ولابد من التأكيد على أن الأمر لم يعد يضر دولة عربية دون أخرى، نعم الخليج في بؤرة الأحداث ولكن لم نر في الواقع بأن هذا الامتداد الطائفي لإيران وقف عند دولة ما ثم تراجع إلى عقر دارها، فاليوم نحن بحاجة ماسة إلى «عاصفة حزم» من نوع آخر تعيد الموازين إلى نصابها وتمنع وقوعها في «النصب» الإيراني والفخ الفارسي البغيض.
&