&
كارم يحيى

&

&

&

شهدت تونس بعد الهجوم الإرهابي على متحف باردو يوم 18 مارس الماضي ثلاثة أحداث ذات حضور دولي . الأول هو تنظيم المنتدي الاجتماعي العالمي بين 24 و 28 مارس . والثاني المسيرة الدولية والجماهيرية الكبرى ضد الإرهاب في اليوم التالي 29 مارس .

&


والثالث معرض تونس الدولي للكتاب الذي استمر عشرة أيام لينتهى في 5 إبريل الحالى . ولقد كان قراري بالسفر من دون دعوة أو تكليف للمشاركة في المنتدي الاجتماعي سابقا على هجوم باردو .لكن المضي في تنفيذ القرار رغم مخاوف ومعارضة أسرتي الصغيرة التي أفزعتها مشاهد الهجوم على السائحين الأجانب عبر شاشات الفضائيات لفتة تضامن صغيرة وددت ان أقدمها مع نحو 18 ألفا جاءوا من مختلف انحاء العالم مستمسكين بالحضور الى منتدى تونس .

&

وهذا الرقم أبلغني به التونسي عبد الرحمن الهذيلي المنسق العام للمنتدي في حوار جمعنا في مقر المنتدي التونسي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية بشارع فرحات حشاد . ولقد اتفقنا كآخرين على ان هجوم باردو دفع بقضية الإرهاب على أجندة هذا المنتدي العالمي على نحو لم يعرفه منذ انطلاقه من بورتواليجري بالبرازيل يناير 2001 في مواجهة منتدي دافوس الرأسمالي . وبالفعل صدر من منتدى تونس بمبادرة من الحركات المغاربية إعلان باردو لمقاومة العولمة النيوليبرالية والإرهاب . وهو يربط بين تنامي الإرهاب وبين عقم الخيارات النيوليبرالية وآثارها الكارثية من بطالة وفقر وتدهور خدمات التعليم والصحة ،فضلا عن الشعور بجميع أوجه الظلم والتمييز الطبقي الاجتماعي والوطني والديني والطائفي. كما ينبه الى تهديد الارهاب والفكر التكفيري والحروب الأهلية للآمال التي اطلقتها ثورات المنطقة العربية أخيرا في الديموقراطية والعدالة الاجتماعية .و يحذر من توظيف الأنظمة التسلطية والقوى المعادية للثورات الارهاب لخنق الحريات بذريعة مواجهته . وعلى هذا النحو يدعو الإعلان الى بدائل اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية تمنح آمالا جديدة للشعوب .وبدلا من ترك ابنائها فريسة لانتشار الإرهاب وتنظيماته كالدولة الإسلامية فكرا وممارسة . و نص هذا الإعلان لم يأت على ذكر مسئولية غزو واشنطن وحلفائها العراق عام 2003 في انفجار الظاهرة الإرهابية بمنطقتنا .وعلما بان حركة مناهضة العولمة النيوليبرالية اشتهرت في البداية بالمظاهرات الكبيرة لمنع الحرب . لكن العديد من النقاشات التي شهدها المنتدي انتقلت من الاكتفاء بمسئولية واشنطن وحلفائها عن انتشار الارهاب بدفعها الدولة الوطنية في العراق الى الانهيار الى منطق يمزج بين هذا وبين مسئولية مثل هذه الدولة عن الظاهرة عندما يسودها الاستبداد والفساد ، وباعتبار أن الظلم ببعديه المحلي الداخلي والدولي العالمي معا هو البيئة الحاضنة لمولد الارهابيين.

&

هذا النقاش حول الإرهاب كان يجرى على نحو آخر بين التونسيين خارج أنشطة المنتدي العالمي. ولأن أحد منفذي هجوم باردو كان يعمل ويسكن مع أسرته في حي غير فقير لم يعد كافيا ربط الارهاب بالفقر والتهميش . وثمة ميل واضح الى القراءة الثقافية لنمو الظاهرة بتونس . صحيح أن أحداثا ومجموعات ارهابية تعود تاريخيا الى عهد بن على ، بل حتى الى زمن بورقيبة مؤسس الجمهورية و رمز تبني دولة الاستقلال للحداثة . لكن هناك الكثير الذي يقال في تونس حاليا عن مسئولية العامين اللذين حكم فيهما حزب النهضة الاسلامي واتهامه بالتساهل مع السلفيين واستقدام دعاة التشدد من المشرق العربي . إلا أن استعادة الدولة اشرافها على جامع الزيتونة برمزيته التاريخية والدينية نهاية الشهر الماضي من سيطرة إمام متطرف واتباعه بعد أربع سنوات كاملة أحالت الى حقائق صادمة من قبيل أن العفو عن العديد من السلفيين الجهاديين ومن ابرزهم «أبو عياض» زعيم تنظيم انصار الشريعة جرى بعيد الثورة مباشرة وقبل ان تحكم النهضة. بل وقتما كان السبسي رئيسا للوزراء .

&

ومن الحقائق الصادمة التي استمعت اليها من وزيرة الثقافة الدكتورة لطيفة لخضر خلال حوار خصتني به ( لم ينشر بعد) أنها عندما جاءت الى موقعها هذا قبل شهرين لم تجد استراتيجية ثقافية للدولة لمكافحة الفكر المتطرف والارهاب . ولا يقل خطورة عن هذا ما ابلغني به الهذيلي عن ان نحو مائة ألف تونسي ينقطعون إراديا عن التعليم.ويصبح من بينهم مشروع مهاجر غير شرعي لايطاليا أو مهرب يعمل في التجارة الموازية او سلفي جهادي في الداخل وسوريا والعراق وليبيا .و هذا رقم خطير بين شعب لا يتجاوز تعداده 11 مليونا .

&

وعلى أي حال فان الرد على هجوم باردو جاء هكذا سريعا وحضاريا مع تنظيم الأحداث الثلاثة التي أشرت لها في بداية المقال. والأهم أن النقاشات الجارية في تونس هذه الأيام تفيد المضي في التحول الى الديمقراطية لا اتخاذ الارهاب ذريعة للاقصاء والانقضاض على ما تحقق منها . وثمة الكثير الذي يمكن ان يقال عن مراجعات وتطورات محتملة للحزبين الرئيسيين »النهضة » و«النداء« وهما على اعتاب عقد مؤتمرات عامه الصيف المقبل . وكذا نقاشات حول تعميق الديمقراطية عبر قاعدة الهرم الاجتماعي من خلال انتخابات المحليات المتوقع لها عام 2016 .فأي تشريع سيصوغه البرلمان الجديد يضمن استقلال وفاعلية المحليات ويوفر ميزانيات قادرة ؟. وهو حوار ليس ببعيد عما شهدته فاعليات المنتدى الاجتماعي العالمي عن الحاجة الى أشكال تتجاوز الديموقراطية التمثيلية في البرلمان وحسب .

&

&

&


&