علي سالم

في نهاية مباحثات السادات - بيغن في الإسماعيلية، وبعد سماع بيغن، أدرك العالم كله أنه لم يفهم مبادرة السادات، أو أنه شخص لا يعي أصلاً معنى السلام. وسافر السادات إلى أسوان. كل دارس لشخصية السادات كان على وعي بأنه لم يعد أمامه إلا أن يستقيل ولتستمر الحروب العربية الإسرائيلية لسنين وربما لقرون أخرى. هذا ما أدركه الرئيس كارتر فجاء على الفور إلى أسوان يحمل مشروعه الجديد، وهو أن يجتمع الطرفان عنده في كامب ديفيد وفي وجوده للتفاوض للوصول إلى السلام.


في القرية المصرية، وربما في أماكن أخرى من العالم، يجمع العمدة الفرقاء المتخاصمين في بيته بعد صلاة العشاء، ويقول لهم: «عليّ الطلاق ما فيه حد منكم هيخرج من البيت ده إلا بعد ما تصطلحوا وتبوسوا راس بعض».
هذا ما أسميه دبلوماسية الاحتجاز، وهي ضرورية في حالة الرغبة الحقيقية عند كل الأطراف في الصلح، وعندما يكونون في حاجة لطرف ثالث يتولى إزالة المسافات والعقبات بينهم. هذا هو الدور الذي لعبه الرئيس كارتر. لقد قرأت كل حرف كتب عن كامب ديفيد، وهي كلها كتب متشابهة كتبها أشخاص عاشوا في المكان نفسه والظروف نفسها. المختلف حقًا كان الكتاب الذي كتبه الرئيس كارتر، والذي ترجم إلى العربية بعنوان «دم إبراهيم»، وهو يغطي تلك الجلسات التي تمت بين الرؤساء الثلاثة فقط ولم يحضرها أحد من أعضاء الوفدين. كان خط الدفاع الأول عند بيغن هو: «ليس من صلاحياتي أن أتخذ قرارًا بالانسحاب من سيناء.. هناك قرار من الكنيست.. هذا قانون.. ليس الأمر بيدي».


وكان رد السادات هو: «لا تحدثني عن سيناء.. لقد حصلت عليها بالفعل كاملة، هل تعرف متى؟ عندما سألتك قبل المبادرة، إذا أتيت إلى إسرائيل عارضًا السلام، طالبًا السلام، هل أحصل على سيناء كاملة؟ فأجبتني.. نعم. من فضلك لا تحدثني عن سيناء».


ولكي تعرف حالة كارتر العصبية يكفي أن أقول لك إنه أمسك بقلم رصاص وقال لبيغن وهو يكسره في غضب: «يتعين عليك أن توافق يا سيدي الرئيس».


وهنا يقف بيغن صائحًا: «ليت الأمر في يدي.. كنت سأوافق على الانسحاب من سيناء.. ولكن الكنيست»..
هنا يقاطعه السادات: «خلاص.. لقيناها.. سنوقع الاتفاقية وتوافق سيادتك على الانسحاب من سيناء إلى حدود مصر الدولية.. وإذا لم يوافق الكنيست أو مجلس الشعب المصري على هذه الاتفاقية تعتبر ملغاة».
وافق مجلس الشعب في مصر على الاتفاقية، شخص واحد فقط هو الأستاذ كمال أحمد، عضو المجلس عن الإسكندرية وأحد أقطاب الناصرية، اعترض بصوت صارخ: «خيانة»..
وهنا قال السادات بوداعة مخاطبًا رئيس المجلس: «أرجو حمايتي»..
وأخرجوه طبعًا، ولم نعرف حتى الآن ماذا كانت الخيانة في تلك الاتفاقية. وفي الكنيست صرخت أيضًا السيدة جؤولا كوهين وهي تمزق الاتفاقية.
وانتصرت الاتفاقية، وانسحبت إسرائيل حتى حدود مصر الدولية. ومط مثقفون شفاههم وما زالوا يمطونها حتى اليوم قائلين: «أيوة خدنا سينا.. بس مالناش سيادة عليها».
ترى.. ما هي حكاية السيادة هذه..؟ هذا ما سأحدثك عنه.