عبدالله ثابت

هناك من تكتب عنه وأنت مرفوع الرأس. تكتب عن الرجل الذي بقي كل هذا الوقت في مكانه، ولم يفقد من تقديره شيئا. بل زاد. يكفيه في وجدان الناس هذه التحيات العارمة، ويكفيه هذا القلق على مكانه وهو يغادره. ندري أنه فعل ما بوسعه، وكأي شخصٍ نابه ومجرب، كانت له رؤيته الخاصة في جريان الأحداث التي خاضتها بلاده، منذ توليه مقعد الخارجية حتى رحيله عنه، تعامل مع أشياء كثيرة مما حدث ويحدث في العالم، نجح كثيرا وكسب العديد من جولات الديبلوماسية. وكان دوما في مكانه ببسالة شخصية، متحديا ظرفه الصحي، على نحوٍ لا يحدث إلا في الروايات.


مرت أربعون سنة وهذه الرقبة المجهدة تمضي في النزاعات بلا كلل! تفكّر في الرقم وتتعجب -فعلا- كيف أمكن لشخصٍ أن يمارس عملا بهذا التجوال في بلدان العالم، ولقاء مئات الشخصيات والزعامات، عملا بهذا القدر من الحساسية السياسية، وفي فتراتٍ بالغة الحرج، طيلة أربعة عقود، ثم يذهب وهو بهذه المهابة والتأثير والسمعة، حيث لا تكاد تجد كلمة مسيئة تلحق به، حتى من أشد الخصوم سفها وحقدا. لقد كان دوما ذلك الرجل المحترم.


في العمل البديع لنيكولاس كازنتزاكس "تقرير إلى غريكو"، وفي صفحته الأولى، كتب تلك العبارة المؤثرة "أنا لم أتعب، لكن الشمس غربت"، كانت هذه أكثر الكلمات وقعا ولياقة في استقالة سعود الفيصل. فهو لم يتعب، لكن علته الصحية جعلته يغادر. ترى أيّ أحد سيستدعي عبارة كهذه، لصقت بذهنك من قديم، لكازنتزاكس؟ الكبار يذكرونك بالكبار.


حسنا. ما الذي نتمناه على الرجل المحترم؟ أن يكتب تقريره، أن يسجل ما أمكنه من مذكراته الشخصية وتجربته ورؤاه، ولو بعيدا عن أثقال السياسي. نعرف أن كثيرين سيتحدثون عنه، سنرى كتبا وأفلاما وثائقية و.. و.. إلخ، لكن ليته هو يقدم لنا قصته ومشواره الحافل، بما خاضه من تجارب السنين الطويلات، بوصاياه وما خَلُص إليه من غِلاب الحياة.