الياس حرفوش

كم كانت سعادتي كبيرة ذلك المساء عندما جلست الى التلفزيون أتابع حديثاً على إحدى المحطات اللبنانية مع وزير الاعلام السوري عمران الزعبي. تطرق الحديث الى مواضيع كثيرة معظمها له علاقة بالموضوع السوري و»المؤامرة الكونية» التي يتعرض لها النظام، والتي تشترك فيها الآن اطراف ثلاثة اصبحت واضحة في نظر الوزير، هي: السعودية وتركيا وطبعاً اسرائيل. فسورية في قلب الممانعة، بعد ان كانت في قلب العروبة، ومن الطبيعي بهذه الصفة ان تكون في اول خطوط المواجهة مع العدو الصهيوني، كما اثبتت التجارب والمعارك منذ عام 1973 الى اليوم.

&

لم يفت وزير الاعلام السوري ان يتحدث عن المرحلة الجديدة والاسلوب الجديد الذي اصبح الاعلام السوري يتعامل به مع الاخبار. قال ان «المؤامرة الكونية» اياها علمت المسؤولين السوريين ان يكونوا شفافين بشكل كامل مع المواطنين. كل الحقائق امام الشعب. القيادة السورية لم تعد تستغبي شعبها اذن. حصل هذا التطور التاريخي منذ 15 آذار (مارس) 2011 واصبح ضرورياً تسجيل هذا التاريخ باعتبار ان ما بعده، اعلامياً في سورية، لن يبقى كما كان من قبل. هذا عهد الشفافية.

&

قلت لنفسي: لقد كذّب الوزير كل شكوكي السابقة بشأن الاعلام السوري والعربي. وشجعني على سماع الحقائق من فم المسؤول.

&

تطرق وزير الاعلام السوري الى قضية اللواء رستم غزالة. هنا شاء المذيع «احراجه»، فسأله اذا كان ما سمعناه (اي المذيع النشيط ونحن) عن «تصفية» غزالة صحيحاً؟ ابتسم الزعبي وكأنه ادرك ان هناك «فخاً» وراء السؤال، ورد باستهجان انه يعرف غزالة معرفة شخصية ويحترمه، وان الرجل كان مريضاً وكان الزعبي مطلعاً على حالته الصحية. وصار الرجل الآن «في دنيا الحق»، بحسب الوزير، ومن التجنّي الحديث عنه وكأنه كان ينوي او يخطط للانشقاق على النظام.

&

اذن، يؤكد عصر «الشفافية» ان كل «الاشاعات» عن تسميم غزالة وقتله على يد النظام هي اخبار كاذبة هدفها التشويه على سمعة القيادة. قيادة كهذه لا ترتكب عملاً كهذا!

&

حسناً. انا لا أعرف رستم غزالة. وربما كان الرجل مريضاً فعلاً. وربما كانت الروايات عن خلافه مع اللواء رفيق شحادة وتسميمه بعد ذلك مجرد تلفيقات من تلك التي يركّبها اعداء النظام السوري.

&

غير انني أعرف الوزير ميشال سماحة. ومنذ ايام دراستنا الجامعية اعرف عنه سلوكه السياسي النظيف واخلاصه لمبادئه، وعدم تقلبه من حزب الى آخر ومن ضفة الى اخرى، كما تقتضي المصلحة! لذلك فوجئت بالضجة التي ثارت في لبنان حول ما وصف بالحكم «المخفف» الذي صدر بحقه من المحكمة العسكرية. وقلت في نفسي: هذا الرجل يستحق براءة ووساماً، لا سجناً، مهما كان قليلاً عدد السنوات. هذا رجل قومي عريق وممانع من الطراز الاول، وهؤلاء لا يتورطون عادة في جرائم واغتيالات وأعمال قتل من النوع الذي اتهموه به. هذه جرائم يرتكبها «ارهابيون» مثل ابو عدس، لا ممانعون.

&

لم يخيب الوزير الزعبي أملي مرة اخرى. سأله المذيع النشيط عن قضية ميشال سماحة. قال ما معناه ان هذا الشريط الذي شاهدناه جميعاً بالصوت والصورة هو شريط مزور... ولأن الوزير على اطلاع على اكثر اساليب التكنولوجيا الحديثة تطوراً اضاف: هل تعتقد ان من الصعب فبركة أي شريط في هذه الايام؟ انا مستعد لأفبرك شريطاً تظهر فيه ام كلثوم بصوتها وهي تغني!

&

هذا وزير اعلام سورية يتكلم فصدّقوه. في دمشق يعرفون جيداً كيف يتم تركيب الافلام، حتى لو كانت لكوكب الشرق بعد موتها.

&

ليت المحكمة العسكرية في لبنان انتظرت يومين او ثلاثة لسماع رأي وزير الاعلام السوري في قضية ميشال سماحة واللواء علي مملوك، لكانت وفرت على نفسها وعلينا كل هذه الضجة المثارة حول الحكم الذي اصدرته، ولكان رئيس المحكمة قد تأكد ان الشريط الذي في حوزته والذي يظهر فيه سماحة ينقل أوامر القيادة السورية بقتل أي كان باستثناء العلويين «ما بدهم يروح علويين!» هو شريط مزور من اوله الى آخره، ولكان أصدر امره باطلاق الوزير الممانع فوراً ومن دون تأخير.

&

في عصر الشفافية والعدل لا يجوز ان يبقى ميشال سماحة في السجن ليوم واحد.
&