«مبدأ أوباما» السياسي .. عقدة سورية وجاذبية الأقليات

تركي التركي&

&


قلة من الرؤساء الأمريكيين من استطاعوا أن يتركوا بعد مغادرتهم الرئاسة أثرا ملموسا أو علامة فارقة، يمكن الإشارة إليها كمبدأ سياسي. تتناقله الأدبيات السياسية كمصطلح من نوع "مبدأ آيزنهاور" أو "مبدأ كارتر". فماذا لو استشرفنا "مبدأ أوباما".. كيف يمكن للتاريخ أن يذكر هذا المبدأ السياسي؟

إنكار أوباما

اعتمادا على مبادئ سابقة لرؤساء أمريكيين، يمكن الإشارة إلى مبدأ أوباما، باعتباره على النقيض من مبدأي الرئيسين آيزنهاور وكارتر، وعلى صلة وثيقة بمبدأي الرئيسين مونرو ونيكسون.

فالأولان شددا على التفريق بين الصديق والحليف، في حين فضل الأخيران بقاء أمريكا في شبه عزلة مع قليل من الأصدقاء وتقريبا من دون حلفاء.

من جهة ثانية، لكنها مفصلية، في تاريخ أوباما السياسي، لا يمكن الفصل بين "مبدأ أوباما" وما يمكن وصفه بـ"عقدة سورية" التي تجلت بوضوح في ملامح الرئيس حتى حين سُئل أخيرا عنها في المؤتمر الصحفي الذي أعقب لقاء القمة الذي جمعه بقادة دول الخليج.

إذ كان امتعاضه واضحا من سؤال يحمل ضمنا تلميحا بخطوطه الحمراء التي لطالما توعد بها نظام الأسد دون أن يطبقها.

وفي محاولة التفافية، استدرك أوباما لافتا إلى أنه لم بجتمع بالقادة للحديث عن سورية فقط، بل عن مجمل الأحداث، مؤكدا أن التحقيقات لا تزال جارية بخصوص تأكيد استخدام النظام أسلحة كيماوية من عدمه.
&

&

وهنا يمكن القول إن "عقدة سورية" حقيقة ذات أثر كبير سواء كان ذلك في سياسته الحالية أو المستقبلية، بل تجلت أكثر في ملامح وجهه وتذبذب صوته، لكن حديثه ما زال يعبر عن حجم الإنكار، لذلك هي عقدة بالمقاييس النفسية والسياسية.

عقدة لأنها تذكره بمأساة تغاضى عنها وما زال بدون سبب مقنع.

وعقدة لأنها تعيد مرارا وتكرارا تذكيره بأفعال حليفه الجديد في المنطقة.

حليف غير مشرف

إيران التي يحاول أوباما تقديمها كقوة صاعدة وكشريك استراتيجي لا غنى عنه لحفظ التوازن الإقليمي، في حين أن أفعالها في سورية وقبلها في العراق وبعدها في اليمن تؤكد العكس تماما.

فليست الحليف المشرف الذي يمكن الوثوق به في ضوء مبدأ آيزنهاور التاريخي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في الخامس من يناير عام 1957م ضمن رسالة وجهها للكونجرس في سياق خطابه السنوي على أهمية سد الفراغ السياسي الذي نتج في المنطقة العربية بعد انسحاب بريطانيا منها، مطالبا الكونجرس بتفويض الإدارة الأمريكية بتقديم مساعدات عسكرية للدول التي تحتاج إليها للدفاع عن أمنها.

كما أن إيران لا يمكن أن تلتقي ومبدأ كارتر الذي كان له السبق في التمييز بين الصديق والحليف، حين أكد الرئيس جيمي كارتر تصميم الولايات المتحدة على مقاومة أي خطر يهدد حلفاءها في الخليج؛ بما في ذلك استخدام القوة العسكرية المشتركة.

وفي المقابل، يأتي مبدآ الرئيسين مونرو ونيكسون مجتمعين، كثنائي جيد لوصف بعض ما يقوم عليه "مبدأ أوباما" الحالي.

ففي حين يرى كثير من المراقبين شبه تطابق بين خطى أوباما اليوم و"مبدأ نيكسون" الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في يوليو عام 1969 م؛ وينص على أن الولايات المتحدة ستعمل على تشجيع بلدان العالم الثالث على تحمل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن نفسها، وأن يقتصر دور أمريكا على تقديم المشورة وتزويد تلك الدول بالخبرة والمساعدة.

إلا أن "مبدأ مونرو" الأقدم والذي ضعه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو عام 1823م هو الأقرب لسياسات أوباما الانعزالية؛ إذ ينص مبدأ مونرو على تطبيق سياسة شبه انعزالية في الولايات المتحدة في علاقاتها الخارجية، وظل هذا المبدأ سائداً في محدودية الدور الأمريكي في السياسة الدولية حتى تردي الأوضاع الدولية التي أوصلت العالم للحرب العالمية الثانية التي خرجت منها أمريكا إلى العالم كقوة عظمى.

وهنا قد يُطرح سؤال من نوع: هل تحتاج أمريكا إلى حرب عالمية ثالثة حتى تقتنع بخطورة ما تفعله إيران وحتى تتخلى عن العزلة الدولية التي يفرضها عليها "مبدأ أوباما"؟

أمريكا و"الإصلاح"

في حين يرى البعض أن التركيز على القضايا المحلية أمر مفهوم ومبرر كشأن داخلي لكل دولة إلا أنه فيما يخص أمريكا تحديدا يعتبر كنوع من التبرير والتنصل من المهام السياسية والدولية التي قد تكون تسببت فيها بشكل مباشر أو غير مباشر في فترة مضت، لذلك تحاول التخلص من أعبائها في فترة أخرى بحجة ضرورة الإصلاح من الداخل.
&

لذلك فإنه من المنطقي والطبيعي، بالنسبة لمنتقديها، أن تسهم واشنطن، على أقل تقدير، في إطفاء الحرائق التي كانت يوما سببا في إشعالها.

سواء كان ذلك بشكل مباشر كما حدث في العراق أو بشكل غير مباشر كما يحدث في سورية واليمن.

ولكن المساهمة في الحل هو ما لا يأخذه "مبدأ أوباما" في الاعتبار.

في حين يبيح هذا المبدأ، التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، إما بالانتقاد المباشر كما حصل في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز حين همّش دور إيران المهدد في المنطقة مؤكدا أن التهديد الأكبر لدول الخليج ينبع من الداخل.

أو حين يتوهم بشكل أبعد بقدرتها على الإصلاح الداخلي، إذ يحاول في مهمة غير مسبوقة إصلاح إيران من الداخل، حين يتعامل مع جهتين في إيران؛ إما بشكل سري مع المتشددين أصحاب القوة والنفوذ في الحرس الثوري وحكم الولي الفقيه، أو بشكل علني مع رئاسة الوزراء ومن يوصفون بالمعتدلين الذين يحملون غالبا الحقائب الدبلوماسية الخارجية.

محاولات تبحث عن الحل من الداخل وهو ما لا تقبل به الدول ذات السيادة التي تنتظر من رئيس دولة عظمى اتخاذ قرارات وحلول سياسية جذرية.

بعيدا عن "التنظير" الثقافي والاجتماعي الذي اشتهر به أوباما حتى إذا ما تعلق الأمر بأحداث سياسية آنية أوصلت المنطقة لما هي فيه اليوم من مخاطر إرهابية سواء كان هذا الإرهاب بقيادة أفراد وجماعات متفرقة أو في صورة ميليشيات مسلحة ترعاها دول كما هو الحال مع إيران ووكلائها في المنطقة، الذين هم على استعداد للقبول بمثل هذه الرؤى والتصورات الرئاسية الأمريكية، محليا وخارجيا، طالما أمكن استغلالها سياسيا وتوظيفها دبلوماسيا.
&

&

ميليشيا الأقليات

مبدأ أوباما الذي سيذكره التاريخ كخليط من الانعزال السياسي والتنظير الثقافي والاجتماعي يعود لتأثر أوباما ومستشاريه بمعاههد دراسات وأبحاث عكفت في الفترة الأخيرة على إقناع العالم بجوهرية الانقسام الطائفي ومركزيته في المنطقة.

حتى باتت هذه القناعة تفسيرا وتبريرا لكثير من الأحداث الإرهابية سياسيا.

وهو ما أجادت إيران في استغلاله باعتبارها راعية وحامية للأقليات المظلومة في المنطقة، بل وتقديم نفسها كمتضررة بشكل مباشر من هذا الإرهاب.

ما جعلها تبدو في خندق واحد مع الغرب ضد هذا الإرهاب.

في حين هي بالنسبة لجيرانها المتضررين من سياساتها أكبر راع للميليشيات الانفصالية المسلحة.

أما من جهة الغرب ومن باب المصالح المشتركة فإن مظلومية الأقليات لها جاذبية سياسية يمكن الاستفادة منها خارجيا وداخليا.

ففي الوقت الذي أدّى فيه تدخل إيران و"حزب الله" إلى مقتل أكثر من 200,000 سوري، معظمهم من المدنيين السنة، وسط تقاعس الولايات المتحدة في سورية.

إذ لم تتحرك واشنطن ضد تنظيم "داعش"، إلا باسم الأقليات العراقية المحاصرة (اليزيديين في سنجار، والتركمان في قرية آمرلي، والأكراد في أربيل) بدلاً من العرب السنة.

أما الاستفادة داخليا، فيمكن فهمها، باعتبار بعض الدول، وعلى الأخص أمريكا، عبارة عن مجاميع من الأقليات التي تعود لأصول متباينة ومختلفة حول العالم، لها تأثيرها المعتبر في اتجاه أي عملية انتخابية محلية، حاضرا أو مستقبلا.
&

وهنا يمكن التوصل إلى فهم أشمل لسياسات ومبادئ أوباما، كما يمكن تفهم الدعوات المتكررة، من قبله، لخلق توازن استراتيجي بين السنة والشيعة في المنطقة.

انطلاقا من هذه الدراسات التي تدعم فرضية الانقسام الطائفي في المنطقة وأنها السبب الرئيس في خروج الجماعات الإرهابية، وخصوصا "داعش"، التي لم يعد أحد يشك في أنها الاهتمام الأول والأخير لواشنطن بقيادة الرئيس أوباما.

يبقى أن "مبدأ أوباما" يخلط بين السبب والنتيجة، فالانقسام الطائفي ليس حقيقة جوهرية أوحتى تاريخية.

كما أنه ليس سببا للإرهاب الذي يخشاه أوباما والذي أجادت إيران استخدامه كفزاعة.

إذ إن الإرهاب سبب وليس نتيجة، سبب تكاتفت كثير من الظروف السياسية والأنظمة من أجل صنعه واستغلاله بمن فيهم إيران.

بينما الانقسام الطائفي نتيجة لهذا الاستغلال السياسي من قبل إيران وميليشياتها المسلحة المزروعة اليوم في خاصرة كثير من الدول العربية برعاية أمريكية.
&