معركة القلمون.. «المعارضة» في مواجهة «حزب الله» و «داعش»

حسن بن سالم

منطقة القلمون السورية هي منطقة تقع على امتداد سلسلة جبال لبنان الشرقية، تضم عشرات القرى والبلدات، وتكمن أهميتها كونها منطقة إستراتيجية؛ لأنها تقع على الحدود مع القرى اللبنانية، ويمر بها الطريق الدولي الذي يربط دمشق بحمص، إضافة إلى أنّها طريق إمداد أساسي للمسلحين بين لبنان والداخل السوري.

&

كان يقطن هذه المنطقة مع بداية الثورة نحو نصف مليون نسمة، ولكن سكانها اليوم لا يزيد عددهم على 150 ألفاً بعد أن تعرضوا للقتل والتهجير من جانب حزب الله أولاً، ثم من طيران النظام السوري ومدفعيته، فعندما قررت إيران أواخر عام 2012 التدخل للحيلولة دون سقوط النظام، اختارت البدء بالمناطق الحدودية مع شرق لبنان وشماله الشرقي؛ إذ معظم القرى من الجهة اللبنانية شيعية باستثناء عرسال وثلاث قرى أصغر، وكانت معركة القصير الشهيرة، لكن ظروف معركة القلمون اليوم تختلف كثيراً عن ظروف معركة «القصير»، فالمشهد بشكل عام قد تغيّر برمّته، فحزب الله في سورية ومنذ انتهاء معركة يبرود منتصف آذار (مارس) من العام الماضي وهو في تراجع ميداني، وبات يتعرض إلى خسائر بشرية.

&

ففي شهر شباط (فبراير) كانت خطة الحزب تقتضي السيطرة على الجنوب السوري والوصول إلى الحدود مع الأردن والجولان المحتل، لكن الهجمات المتتالية على الجنوب السوري وتحرير مدينة بصرى الشام، شكلت ضربة قاصمة للنظام ولإيران، التي كانت تقود المعركة هناك بقيادة قاسم سليماني، إذ كان هذا النصر دافعاً لتحرير مناطق أخرى، أهمها معبر نصيب الحدودي، وهو ما جعل النظام عاجزاً عن مواجهة هذا الاندفاع، ولذلك فإن الحزب يسعى إلى تحويل المكتسبات البسيطة والسيطرة على مناطق محدودة في هذه المعركة إلى انتصارات كبرى، كما حصل في تلة موسى.

&

إضافة إلى أن المعارك الماضية كانت تجري داخل محيط المدن، وكان عناصر الحزب وقوات الدفاع الشعبي يخوضون المعارك بعد عمليات قصف جوي ومدفعي من الجيش تمهد الطريق لهم، ولكن المسلَّحين ما عادوا للتمركز في البلدات والقرى حتى لا تتعرض للخراب والقتل والتهجير، بل انتشروا في رؤوس الجبال وتوحدت صفوفهم، ومن ثم فإن المعارك التي ستجري ستتم وفق أسلوب حرب العصابات في الجبال والوديان، وهو ما يفقد «حزب الله» المبادرة والقدرة السريعة على الحركة، فقوات «حزب الله اللبناني» قد تمكن في الأسبوع الماضي، من تحقيق تقدم ميداني ملحوظ في منطقة القلمون الغربي تمثل بالسيطرة على تلة موسى، إلا أن قوات المعارضة تمكنت إثر هجومها المعاكس لاحقاً من السيطرة على معظم النقاط التي خسرتها في الأيام الأخيرة في المنطقة.

&

هذا الوضع يتيح للفصائل المسلحة القدرة على شن هجمات مباغتة وسريعة وبأسلوب الكر والفر، أي أن المعارضة تضع الحرب في إطار «الاستنزاف» بقتل المزيد من عناصره، وبالطبع تكبدها المزيد من الخسائر، وحصرها في بقعة جغرافية صغيرة، ومن ثم لا هَمَّ لدى «جيش الفتح» في المحافظة على النقاط بقدر هم استنزاف الحزب وتكبيده الخسائر.

&

أما ما يتعلق بأهميّة معركة القلمون فهي قد باتت أكثر من مصيريّة لحزب الله. ليس لأهميّة القلمون فحسب، بل لكلّ الوقائع الميدانيّة في سورية، فخسارة القلمون، تعني تهديد دمشق مباشرة، وفشل حزب الله في تأكيد دوره الإقليمي، فأهميتها للنظام السوري وحلفائه تكمن بالحفاظ على التواصل بين دمشق والساحل السوري، الذي وصل الثوار إلى حدود مدينته الكبرى (اللاذقية)، وبين العمق اللبناني ودمشق والساحل السوري.

&

فالنظام خسر أخيراً آخر معبر حدودي له مع الأردن، وسبقه خسارة المعابر الحدودية مع العراق وتركيا، ومن ثم تبقت الحدود البريّة اللبنانيّة، هي الطريق الوحيد الذي يصل النظام بالعالم الخارجي، فتحصين الطريق بإبعاد المعارضة عنها؛ لحفظ حرية الحركة للحزب والنظام مع لبنان، ومع الساحل عبر القلمون وحمص إلى اللاذقية وطرطوس، ومن جهة أخرى النظام السوري و«حزب الله» يحاولان كسب ورقة القلمون؛ للّعب فيها على طاولة الحوار في حال جمع المجتمع الدولي الطرفين، ولاسيما بعد التقدّم الكبير للمعارضة، وفي المقابل فإن المعارضة المسلحة أو جيش الفتح لم تكن جبهته القتالية في معركة القلمون ضد حزب الله ومليشياته فحسب، بل منذ أول أيام المعركة جاء أداء «داعش» للتأكيد من جديد على هوية المستفيد الأول من وجودها.

&

فتنظيم داعش لم يكتفِ بعدم الاشتباك أو القتال ضد حزب الله، بل فتح جبهة قتالية ضد جيش الفتح في القلمون المنطقة شبه الوحيدة التي ظلت في منأى عن الاقتتال بين الفصائل والتنظيم، وذلك منذ اندلاعها في نيسان (أبريل) 2013، فبعد أن تلقت جبهة النصرة -كما تشير العديد من المصادر- طلباً من «داعش» بالانضمام إلى معركتي استعادة عسّال الورد وجبة، التي أطلقها «جيش الفتح»، كان ردّ أمير جبهة النصرة في القلمون أبومالك التلي، وهو الذي قام بدور كبير في عدم انتقال الاقتتال إلى قطاع القلمون، من خلال بيان شهير رفض فيه قتال داعش في وقت مضى، بقبول بطلب «داعش» والسماح بمجموعات منها بالمرور من الحواجز، على رغم الاعتراض الشديد من فصائل الجيش الحرّ وفصائل أخرى، وتم نشر وتداول الوثيقة المتعلقة بهذا الشأن، وحصل السيناريو الذي حذّرت منه الفصائل في القلمون، إذ انقلبت مجموعات داعش على «جيش الفتح»، فقطعوا طريق الإمداد على المجاهدين، وحاولوا اعتقال بعضهم وإهانتهم، ثم استهدافهم بالرصاص والقذائف، أثناء عبورهم قرب حواجزه ومحاولة السيطرة على نقطة لجيش الفتح، وهو ما أدى إلى إعلان حرب شاملة من جيش الفتح ضد تنظيم داعش في القلمون واستئصالهم منها، ليؤكد «داعش» من جديد مدى حجم الإسناد غير المباشر الذي يقدمه للنظام وحلفائه، ضد المعارضة والشعب السوري.
&