حسين شبكشي

عندما تبحث أميركا، القوة العظمى الوحيدة في العالم اليوم، عن قرار يؤثر على اقتصاد العالم، فلا بد من الانتباه والتركيز بقوة. هناك قناعة متزايدة لدى نخبة سياسية في الولايات المتحدة بأن أميركا يجب أن ترفع قرار حظر تصدير نفطها للخارج. قرار الحظر هذا جاء نتاج قرار وقف التصدير للبترول العربي خلال حرب 1973، ومعه قامت أميركا بتقنين تسعير النفط في الداخل كإجراءات وقائية لحماية أمنها القومي.


الآن ترى هذه النخبة أن الوضع تغير جدا، فهي ترى أن أميركا «تحررت» من اعتمادها على نفط الغير، فاليوم أقل من 25 في المائة من نفطها مستورد، وهو أدنى مستوى منذ ثلاثة عقود، ونصف الكمية المستوردة جاءت من كندا والمكسيك، وهما دولتان جارتان وحليفتان من الدرجة الأولى. لكن أميركا ترى حليفتها الأهم، أي القارة الأوروبية، لا تتمتع أبدا بنفس هذه المزايا المريحة والمطمئنة، وبالتالي بات من الضروري أن يسمح لأميركا بتصدير نفطها لتكون أداة استراتيجية فعالة تساعد حلفاءها وتخفف من سيطرة خصومها.


فاليوم، تسيطر روسيا بشكل مقلق ومخيف على احتياجات الطاقة في القارة الأوروبية، وهناك 4 دول من حلف الناتو تشتري أكثر من 15 في المائة من نفطها من روسيا، كما أن هناك دولا في وسط أوروبا وشرقها تصل النسبة فيها إلى أكثر من خمسين في المائة من النفط المشترى. روسيا أيضا هي المصدر الوحيد أو الرئيسي لدول القارة الأوروبية للغاز الطبيعي، بما فيها فنلندا ودول البلطيق وسلوفاكيا وبلغاريا. وأميركا ترى أن هذا «التحكم» يمكّن روسيا من تحقيق مكاسب سياسية غير بريئة على فترات طويلة، بالإضافة إلى أنه يوفر سيولة ضخمة مستمرة ومتنامية لخزينة روسيا، وهي مسألة تزيد من «قوة» روسيا المالية وبالتالي العسكرية والسياسية. وأميركا ترى أيضا وجود مناطق «نفوذ نفطية» في أيدٍ غير صديقة ولا آمنة ولا مستقرة، فهي ترى نفط ليبيا يسقط بالتدريج في أيدي قوى التنظيم الإرهابي «داعش»، وكذلك نفط سوريا والعراق أو بعض مناطق العراق على أقل تقدير، وهناك إيران وفنزويلا اللتان تعتبرهما أميركا دولتين على عداء معها.


هناك طبعا الإغراء الاقتصادي الكبير، فبعد النجاح الكبير للعوائد التي حصلت عليها أميركا من برنامج النفط الصخري وتطوير قدراتها النفطية بشكل إيجابي، والتي ساعدت في خلق وظائف بعدد يفوق ويتجاوز الـ2.1 مليون وظيفة في عام 2013، فإنه مع انخفاض أسعار النفط عالميا بشكل عظيم أثر ذلك على قدرة أميركا على النمو في هذا القطاع، وتوقف الصرف الاستثماري المطلوب، وتم تسريح العديد من العمالة، وهو تسريح طال قطاعات لافتة مثل الحديد على سبيل الذكر.


اليوم يتساءل أحد أهم أطراف النخب الأميركية: لماذا يستمر الحظر على تصدير النفط الأميركي لأسواق العالم؟ فالاعتقاد هو أن الحظر قائم اليوم ومستمر لأسباب «أسطورية» وغير واقعية ولها علاقة بعقلية «التوفير» و«التأمين» الكمي وكميات النفط وكذلك الحفاظ على السعر المنافس، واليوم هناك اعتقاد بأن أميركا لديها كم مهول من النفط الإضافي والاحتياطي والمخزن، وأنها يمكنها أن تصدر بشكل منافس لأسواق العالم، والسعر في العالم خصوصا في الداخل الأميركي لن يتأثر بشكل يضر بالمستهلك الأميركي، لكنه على العكس تماما بالمنافسة سيهبط السعر ويكون أكثر منافسة.


أميركا تعتقد بشكل جدي للغاية الآن أنها تواجه تحديات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية بأدوات تقليدية، لعل من أهمها ترسانة عسكرية ليس لها منافس، لكن هناك أصواتا جادة تعتقد بضرورة أن تكون لهذه الترسانة ذراع «نفطية»، وهي مسألة في نظرهم لا تقل أهمية أبدا عن فكرة مد أوكرانيا بالعتاد والسلاح العسكري، أو إضافة عقوبات عسكرية وسياسية واقتصادية جديدة على إيران.


هذا سيناريو مهم أن تتعمق فيه الدول المنتجة للنفط خصوصا العربية منها، فأميركا دولة لها ثقل سياسي هائل، وهي ليست عضوا في منظمة «أوبك»، ولديها قدرة كبرى على الإنتاج بكميات غير قليلة. وتكون لهذا السيناريو أهمية أعظم عندما نعرف أنه طرح في مقال للرأي في صحيفة «وول ستريت جورنال» الرصينة، وبقلم ليون بانيتا الذي عمل رئيسا لوكالة الاستخبارات المركزية العامة (سي آي إيه)، وستيفن هايلي الذي عمل مستشارا للأمن القومي. الموضوع في غاية الأهمية وفي غاية الجدية.