عبدالمحسن هلال

في ظل تفاقم الصراعات والانشقاقات العربية، بتنا نترحم على نكباتنا ومآسينا القديمة، لا شك أن الأمر نسبي، إلا أنه تراكمي وتصاعدي أيضا، على مدى القرن الماضي وما مضى من هذا القرن، ظلت فلسطين في القلب، وظلت قضيتها هي المحور، ظلت أيقونة تحفظ بلورات العرب المبعثرة ومبررا لاستمرار وجودهم، وربما السبب الوحيد لاستمرار ما تبقى لهم من احترام بنظر العالم أجمع. صحيح أنها استغلت كثيرا، وكثير من خانها وخذلها، صحيح أن بعضا حملها مآسي العرب، وبعضا آخر، وهم أجهل العرب بتاريخها، حمل الفلسطينيين عبئها؛ لأنهم من باع أراضيها للمحتلين، لكن الأصح فوق كل هذا أن أغلبية العرب ظلت تعتبر فلسطين رابطهم الأقوى الذي يربط بينهم وجدانيا وعقليا، سياسيا قد يختلف الوضع، ولا غرو، فما دخلت السياسة أمرا إلا أفسدته.
مناسبة الحديث مرور 67 عاما على النكبة، الخامس عشر من مايو الجاري، منذ ذلك اليوم تضافرت جهود معظم دول العالم، كبيرها وصغيرها، متقدمها ومتخلفها، مع جهود منظمات عالمية حكومية وغير حكومية، لرعاية هذه الدولة كشوكة في قلب العالم العربي للسيطرة على مقدراته وخيراته وإشغاله عن المطالبة بحقوقه، أو حتى القيام بواجباته. سيقول المخلفون من الأعراب أصحاب نظرية «اللا مؤامرة» أن لا أحد في العالم يتآمر على العرب أو المسلمين، سيقول المرجفون في المدينة إن نظرة الشك للعالم الخارجي هي سبب مآسينا، وهي مجرد هروب من تحمل أخطائنا وبحث عن «علاقة» خارجية لطمس عجزنا. وصحيح بعض ما يقولون، فبجانب عجزنا هي ليست مؤامرة، هي تخطيط أصبح معلنا، فرض الفوضى الخلاقة مجرد مثال، وإلا فإن ما يريده العالم من العرب أصبح مجال نقاشات تلفازية عامة، وصار «طلبات» تقدم للعرب للالتزام بها، كامب ديفيد مع السادات وغيره قديما مجرد مثال آخر.


ليس هذا تقليبا للمواجع، على العكس، هو ابتهاج واحتفال بالمناسبة ودعوة للعودة للقضية الأساس، حيث الجوامع المشتركة، حيث لا يمكن لأحد أن يعترض على جزء منها، تحرير الأقصى المبارك، حق الأرض، حق العودة، وحق مقاومة آخر احتلال في تاريخ البشرية، وهي مشتركات كافية للقضاء على كل مسببات الفرقة والتشرذم القائمة، طائفية كانت أم سياسية. أما أنه احتفال فنعم، إذ لو تجمع ربع هذا الجهد والحشد الدولي لإسقاط قضية ما من الذاكرة البشرية لنجح، والأمثلة كثيرة حولنا، لكن القضية الفلسطينية، بفعل إنسانها البطل، ظلت حية منذ ما قبل وعد بلفور المشؤوم وحتى ما بعد الغد.