محمد قيراط

&إذا انعدمت الأخلاق وسيطرت النزوات الشخصية أو الحزبية أو المالية أو التجارية على المؤسسة الإعلامية أو الصحفي ابتعدت مهنة البحث عن الحقيقة عن خدمة المصلحة العامة وهذا يعني أنها بدلا من أن تكون المراقب العام في المجتمع والمدافع عن الطبقات المحرومة تصبح في يد فئة صغيرة جدا تستعملها وتسخرها لخدمة مصالحها وحتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة، وهذا ما يؤدي إلى انعدام المصداقية وتدهور العلاقة بين الشرائح الاجتماعية العريضة في المجتمع والمؤسسة الإعلامية.
بعبارة أخرى المؤسسة الإعلامية تعمل في فراغ تام وعملية التأثير والتأثر تنعدم من أساسها وفي غالب الأحيان يتوجه جمهور المستقبل نحو وسائل ورسائل إعلامية أخرى ليجد ما لم يجده في الرسالة المحلية.
وفقدان المصداقية في العملية الإعلامية يعتبر فشل العملية الإعلامية في مهدها. تنعدم المصداقية في العملية الإعلامية عندما تكثر الضغوط بمختلف أنواعها وأشكالها على القائم بالاتصال، وعندما تكثر التدخلات في عمل المؤسسة الإعلامية من قبل جهات وأطراف ليس لديها أي حق في التدخل في العمل الإعلامي. تعاني المؤسسة الإعلامية في الوطن العربي من ضغوط ومن تدخلات ومن تحكم وتوجيه تجعلها مؤسسة تبتعد عن جمهورها وعن خدمة المصلحة العامة لصالح هؤلاء المتطفلين - نظرا لنفوذهم السياسي أو المالي.. إلخ.
ويصعب هنا الكلام عن الأخلاق أو ميثاق الشرف أو المصلحة العامة إذا كانت المؤسسة الإعلامية تحت رحمة حفنة من أصحاب الجاه والمال والنفوذ.
إن تحديد مهام ومسؤولية المؤسسة الإعلامية وتحديد مهام ومسؤولية القائم بالاتصال في ضوء ميثاق شرف شامل وواضح المعالم يعني أننا قضينا على الكثير من الملابسات ومن المناطق الغامضة التي قد تؤدي إلى سوء التفسير والاستخدام، والمؤسسة الإعلامية في المجتمع مثلها مثل القائم بالاتصال الذي يصنع الرسالة التي تقدم للجمهور يجب أن تكون لديها رسالة نبيلة تعمل من أجلها للدفاع عنها وتحقيقها. ينبغي على المؤسسة الإعلامية أن تبذل قصارى جهودها لإبراز الحق وتبيان الباطل، فإذا كان الهدف النبيل موجودا والنية موجودة والمستلزمات متوفرة (قوانين، تشريعات، نقابات مهنية، مواثيق أخلاقية) وكذلك المناخ الديمقراطي وحرية التعبير والرأي، في هذه الحالة نستطيع أن نتكلم عن مؤسسات إعلامية فاعلة ونافذة في المجتمع.
الممارسة الإعلامية مهنة نبيلة يجب أن تمارس آخذة بعين الاعتبار كل الأبعاد الأخلاقية والقانونية والتشريعية والمهنية. فالمؤسسة الإعلامية مسؤولة أمام المجتمع وأمام الرأي العام، ومسؤولة مسؤولية أخلاقية كبيرة جدا عندما تضّخم أشياء وتحجب أشياء أخرى، وعندما تركّز على عناصر معينة في الخبر دون غيرها. وجريمة التضليل والتزييف والمغالطة والكذب أخطر بكثير من أي جريمة أخرى لأن المؤسسة الإعلامية عندما تزّيف أو تضلّل فإنها تكذب على ملايين البشر وليس على شخص واحد، وهنا تكمن أهمية الأخلاق والالتزام والنزاهة التامة في العمل الإعلامي لضمان السوق الحرة للأفكار.
مع الأسف الشديد تعاني الممارسة الإعلامية اليوم في معظم دول العالم من الانزلاقات والانحرافات كما يتعرض القائم بالاتصال لضغوط مختلفة خلال تأدية مهمته من قبل جهات عديدة ومختلفة شغلها الشاغل هو ابتزاز واستغلال المؤسسة الإعلامية لمصالح ضيقة على حساب إعلام موضوعي، مسؤول وهادف. انزلاقات وانحرافات عديدة تكون نتيجة التربص بالمهنة الشريفة وتكون مخرجات المؤسسة الإعلامية في آخر المطاف التشويه والتضليل والإثارة والانحياز في طرح الخبر ومعالجته.
جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948م "أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار ونشرها بأي وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية".
ويقول سقراط:"لكي تكتشف الفضيلة لابد أن تعرف نفسك وتعرف الآخرين، فهذا هو الخير الأعظم للإنسانية"، ويرى أفلاطون أنه يمكن الوصول إلى الحقيقة من خلال المناقشة الحرة، وهذا يعني أن حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والسوق الحرة للأفكار هي مستلزمات لابد منها للوصول إلى الديمقراطية والرفاهية والازدهار والإبداع والابتكار والتميز.


إشكالية هامة جدا وحساسة تتمثل في ظروف العمل والصعوبات والمشاكل والأخطار المختلفة التي يتعرض لها المراسل الصحفي في عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن المعلومات وتقديمها للجمهور.
ومن خلال التجارب المختلفة للمراسلين والإعلاميين من جميع أنحاء العالم فإن عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن الخبر لا تقدم دائما على طبق من ذهب، والإحصاءات تقول إن مئات الصحفيين يموتون سنويا برصاص وقتل واغتيالات الإرهاب والأنظمة الدكتاتورية والمافيا المالية والسياسية سواء في دول الشمال أو الجنوب فاشتهرت دولا كثيرة بصعوبة ممارسة الإعلام فيها ككولومبيا وبوليفيا والبرازيل والمكسيك وأفغانستان وسوريا والعراق واليمن وباكستان وإيران والقائمة طويلة.
فحسب تقارير "مراسلون بلا حدود" لقد لقي 900 صحفي حتفهم في السنوات العشر الأخيرة، وأن نصف دول العالم لا يحترم حرية الصحافة، أضف إلى ذلك أن في العديد من دول العالم لا توجد قوانين تحمي المهنة والممارسين من جبروت وسلطة المال والسياسة والمافيا بمختلف أنواعها وأشكالها.
في الكثير من دول العالم الثالث لا توجد نقابات للصحفيين ولا مواثيق الشرف وهكذا يجد القائم بالاتصال نفسه أمام ميادين مملوءة بالألغام والمشاكل والعراقيل وهدفه في نهاية المطاف هو البحث عن الحقيقة وتقديمها للرأي العام كما هي لا غير. والمشكل هنا يكمن في أن قول الحق وتقديم الواقع كما هو للرأي العام لا يعجب السلطة ولا يعجب أصحاب المال والنفوذ..إلخ. تشير التقارير كذلك أن آلاف الصحفيين عبر العالم تزج بهم السجون والمعتقلات وفي الكثير من الأحيان لا أحد يسأل عنهم أو يدافع عن قضاياهم، وهذا هو جزاء من يبحث عن الحقيقة وعن الصالح العام.


إنه من واجب كل مؤسسة إعلامية أن تحمي صحفييها وأولئك الذين يلهثون ليل نهار بحثا عن الخبر وعن الحقيقة وعن إعلام الجمهور، كل هذا يجعل من " أخلقة" العمل الإعلامي ضرورة حتمية لابد منها للممارسة الإعلامية النزيهة والشريفة والهادفة. فكل مؤسسة إعلامية مطالبة بأن تحدد بكل وضوح ودقة المحرمات والمبيحات، واجبات القائم بالاتصال وحقوقه، وعادة تتحدد المحاور الرئيسية لميثاق الشرف الإعلامي فيما يلي: المسؤولية، الأخلاق، الدقة والموضوعية، احترام شعور وديانات ومقدسات الآخرين، احترام الحياة الخصوصية لأفراد المجتمع، حق الجمهور في الأخبار والمعرفة والمعلومات، الالتزام باحترام المهنة والدفاع عنها وحمايتها من كل من يحاول المتاجرة بها أو استعمالها لأغراض غير المصلحة العامة وأغراض المجتمع، وكذلك الالتزام بحماية الصحفي وحصانته والدفاع عنه عند الضرورة.
&