&على محسن حميد

&

&

&

&

&

اليمن اليوم ينهار ويدمربفعل حرب من الخارج واقتتال في الداخل، ولم يكن يتصور أن الوحدة التي تحققت في 22 مايو 1990 وحلت ذكراها الفضية أمس لبناء يمن جديد تعددي لإنهاء الصراعات الشطرية ستنتج يمن اليوم بنخبته الأكثر انقساما وأكثر قابلية لاستخدام العنف وأقل استقلالية ووطنية.

&

لقد انعقد في الرياض في 17- 19 مايو مؤتمر "إنقاذ اليمن" بتمثيل ناقص، .وصدر عنه إعلان وبيان عبرا عن موقف طرف واحد في الصراع الداخلي أيد عاصفة الحزم بدون ذكرها بالإسم، إن فرص تنفيذ قرارات المؤتمر ضئيلة في الوضع القتالي الراهن، لأن السلطة على الأرض بيد الخصم، المؤتمر الشعبي وأنصار الله، اللذان يخوضان معارك وجود ولم يخسرا حتى اليوم معركة واحدة ولكنهما لن يكسبا الحرب. إن من أسباب كل حوار يمني - يمني مقاومة قوى محافظة في جانبي الصراع للتحديث وهذا الموقف لم يتغير منذ نصف قرن افتقد مؤتمر الرياض الصفة التمثيلية الجامعة، فالقوى الجنوبية لم تكن كلها ممثلة فيه وغاب عنه المؤتمر الشعبي وأنصار الله، وكانت مشاركة الشباب والمرأة أيقونتي ثورة فبراير 2011 ضد نظام صالح هزيلة. والأمم المتحدة من واقع تجاربها في حل النزاعات اقترحت أثناء المؤتمر نفسه عقد مؤتمر شامل في جنيف، أما المؤتمرون فاعتبروا وثيقة المؤتمر "إنقاذ اليمن وبناء الدولة الاتحادية" نهاية التاريخ، رغم أن بعض ما تضمنته متفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني.

&

مؤتمر الرياض لم يكن دعوة لإنهاء حربين خارجية وداخلية تدمران الأخضر واليابس وتهلكان الحرث والنسل. وإذا أريد للحربين أن تنتهيا بدون خسائر إضافية على اليمنيين إدراك مايلي:

&

أن يكون زمام أمرهم بأيديهم وأن تمارس الأمم المتحدة دورا نشطا ، لأن الأزمة اليمنية بدأ تدويلها عام 2006 وأن خلجنتها اليوم محاولة متأخرة جدا. والموقف الوطني يفترض عدم الانسياق وراء مساعي تهميش دور مبعوثها الجديد إسماعيل ولد الشيخ التي ترافقت بداية مهمته مع انتقادات قاسية لايستحقها سلفه جمال بنعمر وبتشويه دور الأمم المتحدة، والزعم بأنها لم تنجح في حل أي نزاع. والغرض كان إيصال رسالة مفادها أنه تم الاستغناء عن دورها. وولد الشيخ يدرك الصعوبات التي واجهها سلفه الذي كان أكثر تعاطفا مع تطلعات اليمنيين في بناء يمن جديد من قوى يمنية عديدة.

&

لقد ارتكب منظمو مؤتمر الرياض خطأ بتهميشهم دورولد الشيخ سواء بإجلاسه في الكرسي الأخير للمنصة، في حين كان سلفه يجلس دوما بجانب رئيس الجمهورية، أو بإشاحة عدسات الكاميرات عنه، وهو ما دفعه إلى مغادرة المؤتمر قبل انتهائه، والتوجه إلى القاهرة لكي تعزز دوره. وعندما تحدث في المؤتمر بإسم الأمين العام للأمم المتحدة عن عقد مؤتمر في جنيف في نهاية مايو وتمديد الهدنة الإنسانية ووقف دائم لإطلاق النار، قوبل باستنكار وبسوء فهم لموقفه وكأنه قال كفرا.

&

إن المعترضين لا يدركون التناقض بين رغبتهم في قبول أنصار الله لقرار الأمم المتحدة رقم 2216 (ينسون صالح) وتطبيقه وبين تهميشهم للدورالدولي. لقد أثقل بيان مؤتمر الرياض نفسه بثغرات جوهرية، ولم يكن داعي سلام لغياب أطراف اعترضت على المكان الذي أوضحت واشنطن في 15 أبريل أن يكون مقبولا لكل الأطراف.

&

إن مجلس الأمن أكثر حرصا على إنهاء الصراع الدموي ويحاول تلافي ثغرة المكان بدعوته المزمعة بعد يوم واحد من انتهاء مؤتمر الرياض لاجتماع في جنيف في 28 مايو لكل الأطراف. لقد حدد المجلس بعض أهداف مؤتمر جنيف، مثل إنجاز حل سياسي يقوم على التوافق، وقيام حوار جامع بقيادة يمنية وبدون شروط مسبقة، واستئناف الهدنة الإنسانية.

&

إن تهميش الدور الدولي يطيل الصراع ومعاناة الناس وهذا لا يجدي لأنه المعني الأول بمتابعة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وبعضها تحت الفصل السابع، ولأنه القادر وحده على لعب دور الوسيط بين فرقاء انسدت قنوات التواصل بينهم، وسد الفجوات بين مواقف أطراف صراعها ليس أبديا أو صفريا وتعي بأن لكل صراع حلا سياسيا ومن مصلحة الجميع التعاون لإنهاء الحرب .

&

2 - عدم تدمير الحوار بصراع المرجعيات: من المستجدات عدم اعتراف أطراف محلية وعربية ودولية بوثيقة السلم والشراكة التي تحولت إلى الضد من إسمها وغاياتها . ولحل صراع المرجعيات وإعلاء للمصلحة الوطنية في ظرف لا يحتمل المزيد من سفك الدماء والدمار يتوجب طي الوثيقة بعد ما حدث من تجاوزات جسيمة ضد رئيس الجمهوية وحكومة بحاح، ومن استخدام مفرط للقوة، خاصة في مدينتي عدن وتعز وفقدانها للتوافق الوطني والمباركة العربية والدولية.

&

3 – استقلال ووحدة اليمن في خطر: قبل مؤتمر الرياض كان الكل يتحدث عن ثلاث قضايا مترابطة، هي وحدة واستقلال وأمن اليمن. وفي الرياض غابت الوحدة وفي البدء كانت الكلمة، وما يجب التنبه له فقرة وردت في كلمة سفير بريطانيا في صنعاء في المؤتمر نيابة عن ممثلي الدول الراعية لعملية التحول السياسي تقول " إن الالتزام بمخرجات الحوار وقرارات مجلس الأمن من شأنه الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه". والسفير يعي أن الوحدة كانت معرضة للخطر في عهد صالح، وأن أحد أهداف مؤتمر الحوار الوطني الحفاظ عليها. إن دعوته - الالتزام - وهو يقصد التنفيذ لم يأت من فراغ لأن القوى الرئيسية التقليدية المتصارعة اليوم ( المؤتمر الشعبي ، حزب الإصلاح وأنصار الله) أدمنت التعامل بازدواجية، فهي علنا مع الوحدة ومع الحلول الوسط وباطنا مع مصالحها وحدها وأهمها السلطة. ومع هذا لا يزال بإمكانها أن تختار بين أن تكون أداة لتمزيق اليمن، أو أن تكون من المحافظين على وحدته.

&

4- توقعنا أن تعزز قرارات مؤتمر الرياض الاستقلال الوطني، بغض النظر عن الظرف الاستثنائي الحالي، لكنها لم تفعل ذلك وها هي الفقرة 5 من بيانه تنص على: دعوة الأمم المتحدة ومجلس الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي إلى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لتأمين المدن الرئيسية والإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن وضمان الانسحاب الكامل لقوى التمرد من كافة المدن وتسليم الأسلحة والمؤسسات.

&

إن هذه القوات برغم انعدام فرص تطبيقها ستكون بمثابة سلطة محتلة تحل محل السلطة الوطنية تنتقص من السيادة الوطنية وتشي الفقرة بنظام يشبه نظام بريمر في العراق بربطها بفقرة أخرى دعت لبناء جيش جديد، وهو ما يعني حل الجيش اليمني وهذا يحاكي ما حدث في العراق تحت الاحتلال الامريكي، ومهام مجلس الحكم فيه. أما الفقرة رقم 6 فقد استكملت تهميش دور السلطة الوطنية بمنحها وظائف خدمية فقط " تباشر رعاية أسر الشهداء والمصابين والنازحين وضحايا الحروب ".

&

5- تحديات البناء الوطني: الدمار الذي يحل باليمن لاتجدي معه كثيرا المساعدات الدولية، بالنظر إلى حجمه وتنوعه واتساعه، وعلاجه يتم بتوافق أطراف النظام الجديد على إنهاء الفساد وطهارة اليد، ولو مؤقتا، والشروع بتنمية اقتصادية حقيقية وتوفير الاستقرار للاسثمار الوطني والأجنبي .

&

6 – إغلاق بوابة مجلس التعاون: فشل المؤتمرون في الرياض في تثبيت تطلع اليمنيين لعضوية المجلس ولم يشيروا إليه في خطاباتهم أو في بيان المؤتمر، برغم متابعاتهم لما قيل، بأن اليمن جزء من النسيج الخليجي، وأمنه من أمن الخليج الخ.. وعليه لم يعد أمام اليمنيين إلا تحسين أوضاعهم الاقتصادية ليصبحوا مطلوبين للعضوية وليسوا طالبين لها. وتبقى المهة العاجلة هي إنهاء الحرب الخارجية والصراع الدموي الداخلي.

&