يوسف محمود

&

&


في عالمنا العربي والإسلامي لدينا نوعان من المثقفين: مثقف «الطاعة» - كما أسماه الكاتب فؤاد خليل في كتابه «الثورة» سرديّة وطنية- دار الفارابي/ لبنان- و»المثقف النقدي». الأول يميل حيث الريح تميل «يبرّر ما لا يجوز تبريره. فالتدخل الكولونيالي في البلاد العربية يستعير له مصطلحاً فريداً جذاباً هو «التلاقي الموضوعي» (المرجع السابق ص 235).
بمعنى التلاقي بين الغرب السياسي و»حركات التغيير»! بالطبع هذا المصطلح مشؤوم لانه لا يصمد أمام الواقع، اذ كيف يتلاقى «الذئب» مع «الحمل»!
يقول فؤاد خليل «وعلى الرغم من تلك الوقائع يصر أهل الطاعة على نظريتهم في التلاقي الموضوعي وهم لا يحيدون عنها أيا تكن قوة الحقائق المادية! ذلك انهم «جسم صغير» ملتحق بالتحالف الصهيوني النيوليبرالي.
ويضيف الكاتب قائلاً: «الملتحق او التابع للتحالف المذكور يتعامل مع الغرب الثقافي بروحية تمجيده وتعظيمه» ص 237.
وفي حوار سابق أجراه كاتب هذه السطور مع الشاعر والباحث العراقي د. صلاح نيازي قال في هذا النوع من المثقفين إنه «ماسح أحذية» المنعمين عليه!
هؤلاء المثقفون أو «مثقفو الطاعة» يحاولون ذراً للرماد في العيون نقل بعض معارف مفكرين غربيين كبار امثال فوكو ودريدا، ثم «يسقطونها على واقعنا من دون ان يقوموا بإعادة انتاجه من داخل شروطنا المجتمعية لكي تكتسب أدوات التفكير محليتها وكونيتها الجديدتين في آن» ص 237.
إنه الزيف بعينه ومحاولة أيهام القراء انهم عمالقة في التنظير والانفتاح في حين هم بائسون مفضوحون! أما «المثقفون النقديون» فنوع مختلف، هم مثقفون «يقفون بقوة مع حركات التغيير الوطنية». وقفتهم معها وقفة نقدية غير مهادنة. المثقف النقدي مثقف ملتزم بقضية إنسانية. يشعر بشعور الناس وبهمومهم، لا يخلط بين المعقول وغير المعقول. «لا يؤكد المشيئة المطلقة غير الخاضعة للعقل على نحو ما يفعل «مثقف الطاعة». لا ينفي السببية والمنطق. لا يحشر «الدين» حيث لا يجوز ان يُحشر!.
عالمنا العربي وفي ظل الاستبداد الذي يسود الكثير من أرجائه تنتشر فيه ثقافة الطاعة. أما «الثقافة النقدية» فمن يعتنقها عليه ان يكون مستعداً لدفع الثمن محاصرةً او محاربة في لقمة عيشه. «الاستبداد» لا يمكن ان يرحب «بالثقافة النقدية» لأنه ان فعل ذلك هدد وجوده، وهذا ما نلاحظه على امتداد عصور التاريخ العربية.
«ثقافة الطاعة» هي المبجلة في كثير من بلداننا العربية. أصحابها مقربون من السلطة. وهذه الأخيرة غير مستعدة ان كانت استبدادية ان توسع للمثقف النقدي، فما اسرع ما تكال له التهم وما اسرع ما ينشط الاعلام الرسمي بمهاجمته واتهامه مرة بالالحاد واخرى بخدش الحياء العام!.
«مثقف الطاعة» مثقف «انتقائي» بمعنى انه بفهلوته يحاول انتقاء بعض العبارات وعزلها عن سياقها العام ليبرر ما يقوله، وما يقوله هو افتراء على منطق العقل!
وكما يقول فؤاد خليل في كتابه «قد يستخدم مثقف الطاعة مفهومين مختلفين للدلالة على حالة واحدة»!
هذا الخلط مقصوده تعمية واستغباء للجماهير التي ما عاد احد قادراً اليوم على استغبائها! «مثقف الطاعة» مثقف بلا موقف قد «يستر نفسه بقشور حداثوية» على حد تعبير د. هشام غصيب، لكن هذه القشور لا تنطلي على ذي لُبّ.
اقولها بصراحة ان ثقافتنا العربية عموماً تفتقر كثيراً الى «ثقافة العقل» بالغ من وجود بعض المثقفين –وهم قلة- يحاولون جاهدين ان ينحو في كتاباتهم منحىً عقلانياً بعيداً عن الاستسلام لما يريده الحكم المستبد. الحكم الاستبدادي لا يريد ابداعا حقيقياً او فكراً نقدياً. يريد اقلاماً تشيد بانجازات غير حقيقية يُزعم أن هذا الحكم قد حققها! يريد اقزاماً لا اسياد «قلم»! يريد «مهرجين» ومنافقين!
آن لمثقف «الطاعة» ان يخلغ عنه ثوب الارتزاق المهين. ان ينظر لنفسه في المرآة، فيرى اية بشاعة يحمل وجهه!
وهنا يروق لي ان اسوق هذه الفقرة من كتاب المفكر د. زكي نجيب محمود «تجديد الفكر العربي» ص 48-50، يقول: «وعبثاً تقول للناس، اذا قلت لهم اذا كان الامر لزيد، وكان على عمرو ان يطيع، فالكرامة الانسانية عندئذ تكون كلها لزيد، لأن الفكرة فكرته، والتبعية الخلقية واقعة على عاتقه، وأما عمرو في طاعته للأمر فهو الآلة الصماء، يُضغط على أنفه فتتحرك منه الذراعان والساقان. انه لا يختار لنفسه ما يصنعه». واضيف بدوري و»يتحرك منه اللسان»!
بعبارة أخرى اقول ان «مثقف الطاعة» الذي يستجدي رضا سيده دون ان يكون له موقف هو عبء على ثقافتنا العربية. هو «آلة صماء» تُدار كما يريد سيدها، وهو هنا الحاكم المستبد. تُرى متى توسع مجتمعاتنا العربية لِ»المثقف النقدي» ولا تعود تقبل «مثقف الطاعة»! متى يغدو المثقف العربي سيد قلمه؟

&