&&أحمد مغربي

&

&

&

&

&


&

&

الأرجح أن من يعمل في الصحافة العلميّة في الدول العربيّة، يكون مرشّحاً لتلقي «صدمة» مؤسفة، على رغم أنها ليست حكراً على العلوم. فلغة الأرقام ما زالت «غائبة» عن العقل العربي بصورة عامة، خصوصاً تلك التي تتصل بمجريات الحياة اليوميّة. مثلاً، ما هي الأرقام عن المسارات الاجتماعية الفعليّة التي رافقت ظاهرة انتشار الكومبيوتر والشبكات الاجتماعيّة في الدول العربيّة؟ لا توجد إحصاءات عن تلك الأشياء كلها، وهو ما ليس مستغرباً، ليس لأن دماغ البشر لم يكتشف علوم الإحصاء ووسائلها ومؤسساتها، بل لأن عقول الدول العربيّة لم تكتشفها، فتغيب المعلومة عربيّاً، وصولاً إلى غياب إحصاءات دقيقة عن عدد السكان وتوزيعهم ديموغرافيّاً وجغرافيّاً، وهي أمور تعتبر من الأرقام الأوليّة في الإحصاء!

في السياق، يكون تناول موضوع التحرّش (في صورته الواسعة) على الانترنت في الدول العربيّة، أقرب إلى الرجم بالغيب! ماذا لو بحثنا عن أرقام للإجابة على سؤال من نوع أي الجنسين أكثر تعرّضاً للتحرّش على الانترنت في العالم العربي؟ قبل القفز إلى الإجابة، لا بد من تسجيل غياب الأرقام، إضافة إلى ضرورة التروي قليلاً ومتابعة... قراءة المقال!

وبنوع من البداهة، من المستطاع التفكير في أن المرأة العربيّة أكثر البشر حاجة إلى إنصافها من التحرّش على أنواعه الذي تعاني منه في العمل والشارع والمواصلات والبيت وغيرها. استطراداً، تصبح كلمة «تحرّش» غير مناسبة، لوصف ما تعانيه المرأة العربيّة من قهر وظلم وتعامل بعقلية متخلّفة، وصولاً إلى إهدار جسدها وحياتها وما لا نهاية له في قائمة اضطهاد المرأة.

&

الهجرة إلى أرقام الغرب!

إذاً، يحاول المقال حصر الكلام بالتحرّش على الانترنت، وهو موضوع بات مزعجاً لكثيرين من جمهور الشبكة العنكبوتيّة. إذ يشمل أشياء مثل إطلاق ألقاب بذيئة وإظهار سلوك مهدّد للآخر، ولكنه لا يشمل أشياء أكثر عمقاً كاستغلال الأطفال على الشبكة أو الإتجار بالجنس والبشر والمخدرات وغيرها.

واستطراداً، لا بد من اللجوء إلى الدول المُصابة بهوس الأرقام والمعلومات، وهي لا تقتصر على الغرب وحده، بل باتت تشمل دولاً آسيويّة وأفريقيّة كثيرة.

ووفق تقرير صدر عن مركز «بيو» الأميركي للبحوث، يعرف 73 في المئة من مستخدمي الإنترنت، أشخاصاً عانوا من التحرّش على الإنترنت، فيما اختبره 40 في المئة منهم بصورة مباشرة.

وتحدّث التقرير عن ستّة أنواع مختلفة من التحرّش على الإنترنت، أفاد الذين استُطلِعَت آراؤهم بأنهم لاحظوا تعرّض آخرين لها، وهي:

1- إطلاق ألقاب مُهينة (60 في المئة).

2- تعمد الإحراج (53 في المئة).

3- التهديد بالأذى الجسدي (25 في المئة).

4- تحرّش مستمر على الشبكة على امتداد فترة طويلة (24 في المئة).

5- التحرّش الجنسي (20 في المئة).

6- المطاردة عبر الشبكة (18 في المئة).

كذلك تحدّث الجمهور عن ستة أنواع من التحرّش عبر الشبكة الإلكترونيّة اختبروها بأنفسهم، وهي:

-ألقاب مُهينة (27 في المئة).

-تعمّد الإحراج (22 في المئة).

-تهديد بالأذيّة الجسديّة (8 في المئة).

-المطاردة عبر الشبكة (8 في المئة).

-تحرّش مستمر على الشبكة على امتداد فترة طويلة (7 في المئة).

-تحرّش جنسي (6 في المئة).

وبقراءة لتلك الأرقام، من المستطاع القول أنها تبرز وجود نوعين من التحرّش الشبكي، أحدهما منخفض الحِدّة وواسع الانتشار (ألقاب مُهينة، إحراج...)، لكنه مصدر إزعاج لمن يتعرض له. ويتمثّل النوع الثاني في تجارب أكثر حِدّة (تهديد بأذى جسدي، تحرّش جنسي...)، لكنه يطال أعداداً قليلة نسبيّاً.

ويتعرّض 22 في المئة من جمهور الإنترنت لأشكال التحرّش «الأقلّ حدّةً»، فيما يعاني 18 في المئة منهم (مجمل مستخدمي الإنترنت) أنواع التحرّش «الأكثر حدّةً».

&

بورتريه الضحية: وجوه متعدّدة

من يتعرّض للتحرّش؟ ثمّة علاقة وثيقة تجمع العمر والجنس بتجربة التحرّش على الإنترنت.

يمثّل الراشدون الشباب (تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً) الشريحة الأكثر تعرّضاً للتحرّش بالمقارنة مع المجموعات الديموغرافيّة كافة. كما يعاني 65 في المئة من مستخدمي الإنترنت الشباب للأنواع الأكثر حدّة من التحرّش، وترتفع النسبة إلى 70 في المئة ضمن من تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً.

في السياق عينه، تختبر الشابات ممن تتراوح أعمارهنّ بين 18 و24 عاماً، أنواعاً من التحرّش الحادّة بمستويات قياسيّة، إذ تعرضّت 26 في المئة منهن إلى المطاردة المستمرة على الإنترنت، في حين تعرّضت 25 في المئة منهنّ لتحرّش جنسيّ عبر الشبكة الإلكترونيّة.

وبصورة واسعة، تعاني النساء في عمر الشباب من تهديدات بالأذيّة الجسديّة، بمعدلات تزيد في شكل كبير عما يعاني منه نظراؤهن الذكور من الفئة العمريّة نفسها.

وهناك حقيقة ربما بدت غير مألوفة للوهلة الأولى. تتمثّل في ارتفاع نسبة التحرّش بالرجال ممن تجاوزوا عمر الشباب، بصورة أكبر مما تتعرض له النساء. إذ ترتفع النسبة إلى 44 في المئة للرجال، مقابل 37 في المئة للنساء. وعلى صعيد التجارب المحدّدة، يبدي الرجال من غير الشباب قدرة أكبر على تحمّل سماع ألقاب مُهينة، وكذلك الحال بالنسبة للإحراج والتهديدات بالأيذاء الجسدي، مما تفعل النساء من الأعمار نفسها.

هناك ملامح في ظاهرة التحرّش عبر الانترنت لا تتعلق بالمجموعات الديموغرافيّة، بل بمدى ارتباط الحياة اليوميّة للأفراد بشبكة الانترنت. إذ يفيد الذين ترتبط حياتهم أكثر بالإنترنت بأنهم يختبرون مستويات عالية من التحرّش عبر الفضاء الإلكتروني. وتشمل تلك الفئة الأشخاص الذين تتوافر كميات كبيرة من المعلومات عنهم على الشبكة الإلكترونيّة، ومن يروّجون لعملهم، إضافة إلى العاملين في قطاع التكنولوجيا الرقميّة.
&