&&علي بن حمد الخشيبان


القرن الحادي والعشرون دفع بالدين الإسلامي ليكون موضوعا مهماً في المناقشات السياسية والثقافية وذلك نتيجة تلقائية لنمط الإرهاب الذي شكل انقلابا هائلا على الدين الإسلامي، هذا الانقلاب أسس بشكل مباشر تغييرات كبرى في آليات التعاطي الديني والسياسي، الإرهاب الذي لم يكن من السهل التعبير عن مدلولاته اصبح يمارس دورا اكثر تأثيرا على مجتمعات توحيدية وخلق بينها حالة من الفوضى في تعريف مدلولاته ومنهجيته.

لم يكن الإرهاب صيغة واحدة يمكن تحليلها وبناء الأسس لمحاربتها وهذا ما جعل محاربة الإرهاب قضية معقدة، فالاسلام تلك العقيدة التي ظلت تتسم بالتسامح والعدل تاريخيا ساهم الإرهاب في تغيير صورتها بصورة اسرع مما توقع الجميع، الإسلام اليوم ولأول مرة في التاريخ يتعرض لتشويه في سمعته عالميا بسبب الإرهاب الذي ساهم في صنع معادلة صعبة التفكيك تجاه ماهية الإسلام التاريخية.

الإرهاب الجريمة، عندما تحدث يتفق المسلمون جميعا في إدانتها بل ويتفق معهم العالم بكامله، وتتم البراءة من تلك الأعمال الإرهابية بشكل كبير وهذا هو الانعكاس الطبيعي لاي جريمة تكون ضد الانسان مهما كان دينه ومذهبه، على الجانب الاخر يشكل الإرهاب ازمة مجتمعية ينقسم بسببها اتباع الدين الواحد في التعريف والرفض للمعطيات التي تؤدي الى الإرهاب.

ازمة الإرهاب لا تكمن في خطورته عندما يتحول الى جريمة ضد البشرية لأننا في تلك اللحظات أمام نتيجة لابد من التعاطي معها امنيا..

أزمتنا مع الإرهاب تبدأ قبل ان يصل الى هذه النقطة بكثير، محراب السياسة والدين والمجتمع جميعهم يصعب عليهم الإمساك بأطراف اللعبة الإرهابية قبل أن تتحول الى عمل اجرامي وهنا التحدي الذي يواجه الإسلام كدين ظل متمتعا بسمعة إيجابية عبر التاريخ.

الحداثة أصبحت ازمة تعاني منها الثقافة ويعاني منها المجتمع ليس كمدلولات إيجابية للتغيير في المجتمع ولكن من حيث تكيف إجباري بين الدين والحداثة في مجتمعات المسلمين، لم يترك لنا الفكر الإسلامي إجابات صادمة كيف استطاع المسلمون التكيف مع تلك الحضارات التي وصلوا اليها، وكانت تعتبر اكثر حداثة من مسلمي شبه الجزيرة العربية.

إذن ما هي الازمة التي يمكن النطق بها بين محراب السياسة والدين.؟

لقد اكد الكثير من العلماء من فلاسفة وعلماء اجتماع أن ازمة الإسلام تكمن في قضية (المؤسساتية السياسية للدين الإسلامي) وهذه مواجهة يتم إغفالها بشكل كبير، وتعاني الشعوب العربية ذات الصبغة الدينية الكاملة بجميع طوائفهم من ازمة فهم كبرى حول الكيفية التي يشكل بها الدين محورا للحياة الاجتماعية في البلدان الإسلامية.

&

&

&

الإرهاب الجريمة، عندما تحدث يتفق المسلمون جميعا في إدانتها بل ويتفق معهم العالم بكامله، وتتم البراءة من تلك الأعمال الإرهابية بشكل كبير وهذا هو الانعكاس الطبيعي لاي جريمة تكون ضد الانسان مهما كان دينه ومذهبه، على الجانب الاخر يشكل الإرهاب ازمة مجتمعية ينقسم بسببها اتباع الدين الواحد في التعريف والرفض للمعطيات التي تؤدي الى الإرهاب

&

&

&


والصورة المناسبة لفكرة غياب "التمأسس سياسيا للدين" يسهل مشاهدتها في نظريات الخلافة التي تبنى الإرهاب مدلولاتها على اعتبار انها قضية غائبة في المشهد الديني تاريخيا، لذلك شكلت الخلافة استراتيجية أولى في الاعمال الإرهابية من خلال اهداف فرعية تمثلت في تحرير المواقع والقضاء على المخالفين والحصول على المكافآت السريعة عبر الموت المعلب (التفخيخ).

التعبير الديني في المجتمعات الإسلامية شكل محورا مهماً في تفسيرات عالمية تدفع بعضها نحو الحداثة ويدفع بعضها الاخر نحو التاريخ والماضي، وكأن التاريخ يعيد نفسه وتحديدا عندما ظهرت فرق فكرية ساد جزء منها في العصر العباسي وتحديدا عصر أبناء هارون الرشيد.

ما شكّله القرن الحادي والعشرون من منعطفات مهمة في سياق العمل الإرهابي كان تعبيرا يماهي بشكل دقيق ماحدث بعد عصر أبناء هارون الرشيد في التاريخ الإسلامي.

خلال العقود الثلاثة الماضية شكلت الثورة الإيرانية والحرب الأفغانية إعادة صارمة للصورة الإسلامية غير القابلة للحداثة والمتمسكة بالصورة السياسية القائمة على إعادة النظرية الخلافية في القائمة السياسية للمجتمعات، وشكلت معارك الحداثة والتقليدية موضوعات مهمة في مساحات الحوار الثقافي في المجتمعات الإسلامية وتحديدا منطقة الشرق الأوسط.

هذه المساحة الزمنية والتحولات التاريخية التي تمتد اليوم الى أربعة عقود ساهمت بشكل كبير في ظهور الإرهاب في محراب السياسة والدين وعندما يظهر الإرهاب في محراب السياسة والدين، فإن متطلبات محاربته واخراجه من هذه الزاوية تتطلب عملا تاريخيا شاقا فعملية الانقلاب على الإرهاب لاتتصل بالعملية الأمنية وحدها مع أهميتها، ولكنها نمط مراجعة دقيقة وصارمة لممارساتنا الثقافية والفكرية والتراثية.

كتب لورانس رايت في كتابه البروج المشيدة حول الإرهاب والقاعدة هذه الكلمات التي قد تشرح تلك الفكرة الفلسفية حول ما يجب فعله لفهم آليات وجود الإرهاب في محراب السياسة والدين، كتب يقول حرفيا نقلا لتفسيرات قيادات القاعدة عن اهداف الارهاب واتجهاته، "وإذا كانت أميركا تمتلك المستقبل فإن الأصوليين الإسلاميين يقولون إنهم يملكون الماضي.. سيكون دور القاعدة هو ايقاظ العالم الإسلامي للتهديد الذي يمثله هذا الغرب العلماني..".

الإرهاب تلك الظاهرة التي تورط بها العالم الإسلامي مع بداية القرن الحادي والعشرين لن تكون سهلة التجاوز ويكمن التحدي الذي يواجهه العالم الإسلامي بأن يكون الدين والطائفة، المذهب والعرق مادة لهذا الإرهاب، التحول الخطير الذي تشكله ظاهرة الإرهاب هي تحولها من مواجهة الغرب كما كان يخطط ابن لادن الى مواجهة داخلية كما تخطط داعش اليوم وغيرها من الدول والجماعات المنشقة عن فرق الإرهاب المنتشرة في العالم الإسلامي.

القرن الحادي والعشرون سيكون مساحة زمنية كبرى لمواجهة فكرية وثقافية وسياسية بين الإرهاب والمجتمعات العربية الإسلامية وتحديدا في الشرق الأوسط، فهذه الدول هي المعنية بصياغة مختلفة للواقع الثقافي في مجتمعاتها، فعندما يقتل الإرهاب مئات الأشخاص في عمليات إرهابية فهو يقتل أمة بكامل عقديتها لأنه يفتح أبواب الانقسام والفرقة، لن يكون من السهل تحييد الإرهاب ولكن يمكن مواجهته في عمليات تاريخية جادة تعمل على قراءة اكثر صرامة لكل المعطيات التاريخية والفكرية التي تقف خلف الإرهاب.

رحم الله كل شهداء الوطن الذين ذهبوا ضحية إرهاب جبان مهما كان مذهبهم او عرقهم،.. وإذا لم تكن هذه الازمات مفتاحا لنا للبحث عن الحقيقة فلن يكون هناك مزيد من أبواب يمكن الدخول منها للقضاء على هذا الداء مستقبلاً.
&