على الرغم من تصريحات أوباما المطمئنة فإن الخليجيين- شعباً وكتاباً ومثقفين- لا يشاركون حكوماتهم هذه التطمينات الأميركية، بل يرونها «شيكا بلا رصيد»، ويستند هذا الموقف الشعبي إلى وجود تناقض بين ما يؤمن به الرئيس الأميركي، وما يصرح به أو يعد به دون ضمانات مكتوبة.

&

&

عبدالحميد الأنصاري

رحبت الحكومات الخليجية بالنتائج الإيجابية للقمة الخليجية الأميركية، وما تضمنتها من تأكيدات في وقوف أميركا إلى جانب حلفائها الخليجيين ضد أي عدوان خارجي، وكذلك في مواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة، وكان الرئيس الأميركي أوباما قد استبق القمة بتصريحات يطمئن فيها شركاءه الخليجيين، بأنه سيعمل معهم لمواجهة زعزعة إيران لاستقرار المنطقة، وأن إيران دولة راعية للإرهاب، والخليجيون محقون في القلق منها، وأنه شخصياً متفهم هذا القلق، لكن أميركا لن تتخلى عنهم، وأن الاتفاق مع طهران لن يكون على حسابهم، بل إنه سيكون لمصلحتهم!

لكن بالرغم من هذه التصريحات المطمئنة، فإن الخليجيين- شعباً وكتاباً ومثقفين- لا يشاركون حكوماتهم هذه التطمينات الأميركية، بل يرونها "شيكا بلا رصيد"، ويستند هذا الموقف الشعبي إلى وجود تناقض بين ما يؤمن به الرئيس الأميركي، وما يصرح به أو يعد به- دون ضمانات مكتوبة- ويرون أن مظاهر هذا التناقض عديدة، أبرزها:
1- عقيدة أوباما في الخليج: تقوم هذه العقيدة على أن التهديد الأكبر للخليج لا يأتي من الخارج (الغزو الإيراني) للمنطقة، بالقدر الذي يأتي من الداخل، من الأوضاع المحبطة: التهميش، والبطالة، والشعور بعدم وجود متنفس سياسي للتنظيمات، وعدم الرضا الشعبي، وهي أوضاع تدفع بعض الشباب إلى التطرف والالتحاق بـ"داعش"، كما تشكل تهديداً أعظم من التهديد الذي تمثله التدخلات الإيرانية ومشروعها التفكيكي الطائفي، ولذلك فإن أوباما حريص على مصارحة أصدقائه الخليجيين- من منطلق الصداقة والحرص على مصالحهم- بضرورة الالتفات إلى الداخل والعناية بالشباب وإجراء الإصلاحات المحصنة للبيت الخليجي من مخاطر الخارج، ولا شك أن بعض ما ذكره أوباما صحيح نسبياً، وهو ما يطالب به المصلحون الخليجيون، ونحن نشكر أوباما أن نبهنا إلى تصحيح سلبياتنا، لكن كلامه فيه تعميم، إضافة إلى أنه لا علاقة له بالإرهاب:
فأولاً، في الإصلاحات: دول الخليج ليست سواء، تتفاوت بين دولة وآخرى، لكن الخليج عامة أفضل حالاً في قضايا: حقوق الإنسان وحريات التعبير والمعيشة الكريمة والرفاهية الاقتصادية والأمن والاستقرار، الخليج هو الواحة المزدهرة الآمنة في محيط مضطرب وملتهب.
ثانياً، في مسألة الرضا الشعبي عن الحكومات: يحظى النظام الخليجي بمعدل من الرضا الشعبي، يفوق معظم الأنظمة القائمة.
ثالثاً، هل ينتج عدم الرضا الإرهاب؟ قد يولد تمرداً أو إجراماً لكنه لا ينتج إرهاباً، فمعظم الشعوب غير راضية عن حكوماتها ولم تنتج إرهاباً! ما علاقة عدم الرضا بتفجير مصلين في مسجد؟! فالإرهاب له عوامله الذاتية مثل: العقيدة المشوهة للجهاد، والمفاهيم المغلوطة عن "الولاء والبراء"، والخطاب التكفيري ومواجهة الغرب الصليبي وأوهام استعادة "الخلافة".
رابعاً، إذا كانت الأوضاع المحبطة هي الدافع لالتحاق بعض شبابنا بـ"داعش"، فما تفسير التحاق أكثر من (10) آلاف أوروبي به؟!
خامساً، لا علاقة لعدم الرضا بإنشاء "حزب الله" وتغوُّله على اللبنانيين وتدخله في سورية، بل الأطماع الإيرانية في الوصول إلى حوض المتوسط والداعم بالمال والسلاح، فمن الذي أنشأ الميليشيات الطائفية في العراق؟ ومن الذي شجع الحوثيين على التمرد؟ المال والسلاح الإيرانيان.


سادساً: يحمّل أوباما الخليجيين مسؤولية "داعش"، ونحن لا ننكر جانباً من المسؤولية، ولكن ماذا عن الأخطاء الأميركية في العراق؟ وماذا عن الدور التخريبي لإيران عبر 3 عقود بتمويل وتسليح كل الجماعات المتمردة على النظام العربي، بهدف زعزعة الاستقرار الذي أضعف الدولة وأتاح ظهور "داعش"؟
سابعاً، التغلغل الإيراني ليس تهديداً خارجياً، هو تهديد من الداخل، وهو جزء عضوي من المشكلة الداخلية للخليج والمنطقة، لأن إيران التي سخرت مواردها لتصدير الثورة، نصرة للشعوب المظلومة من أنظمتها- كما يقول خامنئي- لا تحترم مبدأ سيادة الدولة، ولا تفرق بين الداخل والخارج، فهي لا تواجه العرب مباشرة خارجيا، بل تتسلل في العمق العربي، لتشكل تهديداً داخلياً.
2- رؤية أوباما لإيران: تقوم على أن إيران دولة كبيرة وقوية ولاعب دولي مهم، والإيرانيون استراتيجيون وغير متهورين، ويعرفون مصالحهم، ومن شأن الاتفاق أن يقوي المعتدلين الذين سيقودون إيران، ويرشدون سلوكها الإقليمي ويهتمون برفاهية شعبها ويحرصون على الاستقرار.
ليسمح لي الرئيس الأميركي أن أخالفه، مع وجاهة رؤيته منطقياً، فما أكثر الافتراضات المنطقية الخطرة النتائج، إذا لم تكن في وقتها الصحيح- طبقاً لوحيد عبدالمجيد- المناخ الإقليمي العام مضطرب، وإيران اليوم بحكم أيديولوجيتها الثورية هي الأكثر قدرة على استثمار هذا الاضطراب، وبخاصة بعد رفع العقوبات؛ لذا من المنطقي- في مثل هذا المناخ وفي ظل هذا النظام- أن يقوى نفوذ المتشددين لا المعتدلين.
ويؤكد ذلك أن سلوك إيران لم يشهد تغيراً أو تراجعاً بمجيء روحاني، بل اتسع نفوذها في المنطقة لدرجة التفاخر! مما يدعم مقولة- راي تقية- أن المعتدلين الذين يوزعون الابتسامات ويلبسون بدلاً أنيقة- دون ربطة العنق- هم في النهاية في خدمة المتشددين، وستنتهي الحاجة إليهم بعد إبرام الاتفاق، مما يرجح بروز سلوك إيراني أكثر تشدداً وتدخلاً وتصديراً للثورة، وكل الدلائل والإرهاصات العملية تؤكده، وهذا ما يجعل الخليجيين يتساءلون: كيف نطمئن للتعهدات الأميركية ونحن نشاهد القرصنة الإيرانية في الخليج وتحديها للقرارات الدولية في اليمن؟!