زهير الحارثي


كيف نفهم أن شاباً من أبناء هذه البلاد يضع حزاماً ناسفاً حول جسده ويقصد مكانا تعبديا آمنا ليقتل مسلمين أبرياء؟

قصة مأسوية نقف عندها ثم لا تلبث أن تتكرر بشكل أو بآخر في مكان هنا او هناك. ولكن ما الذي أوصل البعض من أبنائنا لهذه الحال وهذا المستوى من التفكير؟ وما الذي يجعلهم يعشقون الموت ويكرهون الحياة؟

سؤال مشروع وحارق في آن واحد!

حقيقة لم يعد سرا في انهم أناس مأزومون. وأولئك الذين قاموا بإعداد وتخطيط وتدبير وتنفيذ وارتكاب تلك الجريمة الإرهابية الدنيئة في أحد المساجد ببلدة القديح لم يستهدفوا اخوتنا الشيعة بل استهدفوا الوطن. ونعلم ان هناك عقليات تنجرف مع أيديولوجيا داعش والتي لها جذور تاريخية، وتعاني من أزمة فكرية فهم ينطلقون من رؤية ظلامية مغلقة سببها التشبث بقناعات مؤدلجة، ما جعلهم غير متصالحين مع أنفسهم قبل مع من حولهم، وبالتالي أصبحت لهم حياة ولكنها منفصلة عن الحياة.

&

&

صفوة القول: الجريمة الإرهابية في القديح لايكفي ادانتها بل يجب قلع جذورها الفكرية وهدم مخططاتها بتجريم الخطاب الطائفي وبث مفاهيم التسامح واحترام الآخر ولذا نحن أحوج ما نكون الى التماسك واليقظة الفكرية والإحساس الوطني لمواجهة الأفعال التي تهدد أمننا ووحدة نسيجنا الاجتماعي

&

هذا هو مختصر قصة حركات التشدد الديني. وفي خطاب داعش ما يكفي، ما يكشف عن الانتقائية وتوظيف النص لدى هذه الجماعات مع أن الإسلام المعتدل الوسطي واجه خلال تاريخه تحديات فكرية وثقافية، واستطاع أن يظل قوياً، مؤصلا فكره ومنفتحا ليكرس عالمية الإسلام.

هذه البلدة في القطيف العزيزة تعرضت لسيناريو مريع بذرته فكر مريض متطرف، فكانت طعنة غادرة وعملا إرهابيا جبانا يتنافى مع كل القيم الإنسانية، ويتعارض مع كل الشرائع السماوية والقوانين. وتبين بما لا يدع مجالا للشك ان ثمة استهدافاً لبلادنا ومحاولة جرها لصراع طائفي وبالتالي ضرب وحدتها الوطنية وهز استقرارها ما يعني ان التراب الوطني مهدد من عدة جهات سواء أكانت دولاً إقليمية أم جماعات راديكالية فضلاً عن شريحة في الداخل متعاطفة أو مؤيدة لتوجهاتهما.

على ان الوطن أثبت بالأمس أنه مصاب بعمى ألوان مذهبي وبالتالي قُطعت الطريق على المتربصين وأُخمدت نار الفتنة. كان الرد على جريمة القديح واضحا ومباشرا.

ان الوحدة الوطنية خط أحمر ولن نسمح بالنيل من تماسك الوطن واستقراره وأمنه رغم تجاوزات البعض من هذا الطرف أو ذاك إلا أن الغالبية مع وحدة هذا الوطن وتماسكه والولاء لقيادته.

لقد شعرت بسعادة بالغة وأنا أقرأ تعليقات أخوتي الشيعة الذين فوتوا الفرصة على الطامعين رغم ضخامة ومأساة الحدث بطروحات وتعليقات تنضح بالعقلانية والحس الوطني والرؤية الشاملة، والتي تغلب مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر مرفقة بخارطة طريق نحو تعزيز الوحدة الوطنية.

ولعل المتابع لمس تجلي الروح الوطنية ما بعد تلك الحادثة الإرهابية والبشعة. ولم اندهش حقيقة لكتلة المشاعر وردود الفعل العفوية التي انثالت من جميع أرجاء الوطن والتي عكست طبيعة العلاقة ما بين أطياف مجتمعنا.

لم يفلح الارهابيون في تنفيذ مخططاتهم بل ارتكبوا خطأ جسيماً باستهدافهم اخوتنا الشيعة الذين فوتوا عليهم الفرصة فلم تنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر كما يقال.

وفي هذا السياق كانت رسالة لافتة إدانة سماحة المفتي ومثقفينا ومفكرينا شيعة كانوا أم سنة.

والملاحظ ان التحريض الطائفي بات ورقة تلعبها وبامتياز الحركات الراديكالية المتطرفة التي تستهدف بلادنا وشبابها وتشجعها احدى القوى الإقليمية التي تلعب على الوتر الطائفي لعل وعسى ينجح في ضرب وحدة نسيجنا المجتمعي. وان كان قد آن الأوان لفتح ملف التحريض المذهبي ودور بعض الدعاة في تأجيجه. هؤلاء يخرجون بأسمائهم الصريحة في وسائط التواصل الاجتماعي ويكتبون تعليقاتهم بلغة طائفية مقيتة ولا تجد لهم رادعا رغم وجود قوانين تعاقب على ذلك كنظام الجرائم المعلوماتية.

غير ان هناك مسؤولية مشتركة على الجميع تحتم على كل واحد منا أن يساهم بدوره من أجل الحفاظ على بلادنا لاسيما بعد الملحمة الوطنية التي لمسناها ما بعد الحادثة البشعة. ولذا فإن المحافظة على إنجاز الملك عبدالعزيز الوحدوي ضرورة وليست ترفا لا سيما ان ما يجمعنا كشعب أكثر مما يفرقنا ولذا فعلى الدعاة وخطباء المنابر والإعلام والكتّاب والمثقفين عدم اللعب على وتر المذهبية ومواجهة الآراء الشاذة.

يجب علينا كبشر النظر إلى بعضنا البعض على أننا متساوون في الحقوق والواجبات كما قال الملك سلمان. ونستفيد من هذا التلون المذهبي والثقافي والاجتماعي ليبقى كرصيد تاريخي وإرث ضخم ومميز لبلادنا، فهذه عوامل ومقومات لا بد من استثمارها لمصلحة الوطن مبتعدين قدر الإمكان عن المجاملات والتزلف والنفاق وعبارة ان كل شيء على ما يرام.

ومن المعروف ان هناك أولويات في حياة الدول والبشر، وأولويتنا بعد ديننا هي هذا الكيان الذي يجب ألا نفرط فيه بتقاعسنا وتلكؤنا لاسيما في ظل ما نشاهده اليوم من اقتتال واحتراب وصراع فيما يجاورنا من دول.

بات ملحا ما بعد هذه الحادثة ان نعيد النظر في مسألة تعميق الانتماء وتجريم التطرف والعنصرية وذلك بوضع استراتيجية وطنية شاملة تشارك فيها كل أطيافنا المذهبية والفكرية والثقافية للوقوف ضد محاولات الاختراق والتمزيق.

صفوة القول: الجريمة الإرهابية في القديح لايكفي ادانتها بل يجب قلع جذورها الفكرية وهدم مخططاتها بتجريم الخطاب الطائفي وبث مفاهيم التسامح واحترام الآخر ولذا نحن أحوج ما نكون الى التماسك واليقظة الفكرية والإحساس الوطني لمواجهة الأفعال التي تهدد أمننا ووحدة نسيجنا الاجتماعي.
&