محمد خروب

&

&

& اعتباراً من اليوم.. يبدأ «عدّاد» الشغور الرئاسي مهمة احصاء العام «الثاني» من فراغ كرسي الرئاسة في قصر بعبدا، ما يطرح المزيد من الاسئلة حول مستقبل ملف الازمات المتوالية فصولاً في بلاد الأرز، بعد ان تحصّن فريقا 8و14 اذار كل في متراسه، ولا تلوح في الأفق اي بوادر أو اشارات عن قرب ايجاد «حلّ» لهذه المعضلة التي لم تعد تُشكّل اولوية على اجندة معظم مكونات الطرفين، فيما بدأ الجانب المسيحي يشعر ان تهميش الموقع الرئاسي، انما هو نتاج سياسة مقصودة من قبل «شركاء الوطن» على حد تعبير رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب الجنرال ميشال عون (المرشح لهذا المنصب) في تصريح غاضب وغير مسبوق في حدّته يوم أمس عندما رأى: «اننا نعيش صدمة بالنسبة لسلوك شركائنا بالوطن، مستطرداً: «نحن مُستهدفون، والجميع يريدون ان يكونوا أوصياء علينا، جازماً انه «لا أحد يُعيِن لنا رئيسنا وقائد جيشنا، بل نحن مَنْ يعينهم ومَنْ لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط»..


هنا، يصل تصعيد الجنرال (او يقترب) من درجة اللاعودة، وهو تصعيد كان متوقعاً، بعد ان سدّ خصوم عون في 14 آذار، الطريق أمامه، رغم تلقّيه وعوداً من زعيم التيار الأزرق (تيار المستقبل) سعد الحريري في هذا الشأن وإن كان الاخير قد رمى الكرة في ملعب الفرقاء المسيحيين انفسهم، سواء مَنْ يحالفونه مثل سمير جعجع وباقي مسيحيي 14 آذار، ام من داعمي عون في فريق 8 آذار.. فهل منصب الرئاسة الذي لا يشغله الاّ مسيحي ماروني وفق نظام المحاصصة الطائفية التي يعيش عليها لبنان ويحيا (ويموت او يصيبه الشلل ايضاً)؟ بات «غير مرغوب» في بلد لم يُجرِ أي تعداد سكاني منذ استقلاله (لزوم عدم خلخلة التوازن الطائفي الذي اختل الى غير صالح المسيحيين وربما أهل السُنّة ايضاً).
ثمة وجاهة لدى الذين يقللون من اهمية اولوية كهذه، بعد ان بات كثيرون في لبنان وخارجه على قناعة بأن اطرافاً اقليمية ودولية هي صاحبة القرار «الأخير» في هذا الشأن، حتى لو حدثت معجزة وتوافق اللبنانيون على اسم رئيس جديد، بصرف النظر عمّا اذا كان عون نفسه او غريمه جعجع او جيء بشخصية يرضى عليها فريقا 8و14 آذار.
واذا ما وسّعنا الدائرة قليلاً، فاننا نجد ان لبنان «مفخخ» بالمعنى السياسي والاجتماعي والامني والاقتصادي، وان أزماته آخذة في العمق، رغم ما يتبدّى للبعض بأنها «ممسوكة» بمعنى ان قراراً اقليمياً ودولياً قد أُتخذ بعدم تفجير الاوضاع هنا، أقلّه في المرحلة الاقليمية الراهنة المفتوحة على احتمالات عديدة وبخاصة مآلات الأزمة السورية التي أخذت في الآونة الاخيرة أبعاداً خطيرة، إن لجهة الدعم التركي الاقليمي لارهابيي جبهة النصرة (فرع القاعدة في بلاد الشام حتى لا ينسى أحد) والذي تمثّل باجتياح مدينتي إدلب وجسر الشغور، فضلاً عن سيطرة داعش على مدينة تدمر، ام لجهة اصطفاف تيار المستقبل الى جانب مسلحي القلمون، الذين تدفقوا على جرود بلدة عرسال اللبنانية بعد ان نجح حزب الله والجيش السوري في تطهير سلسلة جرود بلدات القلمون من الارهابيين وعلى رأسهم جبهة النصرة، التي تريد ايقاع الفتنة بين سُنّة لبنانيين وشيعتهم، بحجة ان الذي يُريد طردهم من هناك هم «الشيعة» فيما هم يدافعون عن اهل السُنّة والجماعة، وهو كلام يدرك كثيرون في لبنان انه لا يعدو كونه هرطقة ونفخاً ارهابياً في كير الفتنة المذهبية، التي باتت شعاراً او قناعاً يتخفى خلفه الدواعش الجدد ومَنْ حالفهم من انظمة واجهزة وأصحاب لحى وعمامات.
ليست هذه سوى بعض فصول الأزمات البنيوية والمجتمعية التي تعصف بلبنان، وكلها تبدو في معظم تجلياتها، جدول أعمال او أمر عمليات خارجي، يُريد بعض سياسيي لبنان ان يتعاطوا معها، وفق ما دأبوا عليه منذ اواخر خمسينات القرن الماضي، خدمة لمصالحهم الشخصية او تسديداً لفواتير عواصم اقليمية ودولية، وزيادة في الحسابات والارصدة المفتوحة، يرون انها لم تَعدْ تكفي لقاء ما بذلوه وخصوصاً طوال السنوات العشر الاخيرة التي تلت اغتيال رفيق الحريري، والتي أخذت لبنان وشعبه الى حافة الهاوية بعد ان استثمرها ملوك الطوائف وأمراء الحرب والزعامات الدينية والاقطاعية، التي تُوّرِث المناصب وقيادة الاحزاب والحركات شبه العسكرية، فيما يدفع اللبنانيون من لقمة عيشهم ومستقبل ابنائهم ولحمهم الحي، ثمن هذه الارتكابات التي تُقارفها النخب السياسية والدينية والعائلات ذات الارتباطات الخارجية المكشوفة.
قد يكون من المغالاة او من غير الحكمة الذهاب بعيداً في التشاؤم، بأن عاماً آخر سينقضي دون انتخاب رئيس جديد للبنان، الاّ انه من غير التسرع القول ان السباق الآن – في بلاد الأرز – يسير في توازٍ (وليس في توازن) بين انفجار الاوضاع وسيرورة الأزمات التي تعصف بالمنطقة والحرائق المشتعلة التي تكاد تحرق ما تبقى من هياكلها «الدولتية» والاجتماعية، ما يدفعنا للاعتقاد بأن لبنان سينجو مؤقتاً لكنه على رأس قائمة البلدان الآيلة للتفجر والسقوط في فخ الفوضى والاحتراب الطائفي والمذهبي.
&