محمد علي فرحات

كلما ازداد خطر «داعش» وامتداده في المشرق العربي تتأكد الحاجة إلى فكرة الدولة الجامعة، وتتراجع حجج المنظمات المدنية أو العسكرية القائمة على اقتطاع قسم من الدولة بدعاوى عدة، قد يكون بعضها مُغرياً في صخبه الوطني أو الديني.

&

وكم كان لافتاً كلام الملك سلمان بن عبدالعزيز في رسالته إلى ولي عهده الأمير محمد بن نايف من «أن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة البشعة (تفجير مسجد القديح في السعودية)، سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة، وسينال عقابه الذي يستحقه».

&

رفع الملك سلمان القانون في وجه أي متهم بالجريمة ولم يرفع سيف الانتقام كما يفعل قادة كبار أو أقل كبراً في عالمنا العربي والإسلامي. إنه منطق الدولة الذي نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن يلتزم المواطن بدولة القانون التي تحفظ حقه وحق غيره، فالمواطَنَةُ هي التي تحفظ الحقوق، خصوصاً مع ما شهدت بلادنا العربية وتشهد من تهافت مؤسسات الدولة الجامعة لمصلحة هذا الطرف أو ذاك من المتصارعين باسم الطائفة، أو باسم قوة إقليمية أو دولية، أو باسم شعارات عابرة للدول تقتطع من التاريخ ما يناسبها من أفكار متصلبة لم تصلح لزمانها فكيف تصلح لزماننا؟

&

وكشفت ردود الفعل على تفجير المسجد السعودي تعاطف قادة وشخصيات عربية وإسلامية وعالمية مع الدولة السعودية وقانونها الجامع لمواطنيها وأمنهم ومصالحهم. لكن الأمر لا يخلو من مشاعر سلبية يُطلقها معرقلو فكرة الدولة، فهم إذ يحطمونها في المشرق العربي لا يريدون نجاحها في مكان آخر قريب أو بعيد.

&

وتتجلى عرقلة فكرة الدولة بإنشاء مراكز قوى تعلو فوق القانون، مانعة عموميته ومساواة المواطنين أمامه، بذريعة أولويات نضالية سرّية لا تستطيع أجهزة الدولة الاطلاع عليها، بما في ذلك القضاء الذي يحكم باسم العدل ولا يفرق بين مواطن وآخر. هذا ما يحدث في لبنان وسورية والعراق وغيرها من البلدان حيث تتهافت سلطة الدولة ويتفتت قانونها بحسب الجهة المعنية بالمخالفات أو الجرائم، فقد تودي جريمة بمرتكبها إلى السجن فيما تطلق جريمة مماثلة مرتكبها في فضاء الحرية وربما تصنّفه في منزلة البطل.

&

جريمة تفجير المسجد أظهرت حقيقة السعودية كدولة قانون يساوي بين المواطنين، وذكّرت بما كان يردد الشيخ اللبناني الراحل محمد مهدي شمس الدين في زياراته إلى السعودية والبحرين والكويت من نصح إلى المواطنين الشيعة في تلك الدول، بأن يعتبروا المواطَنَة شعارهم وأن يتمسّكوا بالقانون ويقدّموا الولاء للدولة الجامعة على أي ولاء آخر مهما كانت مغرياته.

&

وحدها الدولة تدافع عن مواطنيها بتطبيق القانون. ويؤيد ذلك اعتبار هيئة العلماء المسلمين في السعودية جريمة القطيف بأنها تهدف إلى ضرب وحدة الشعب السعودي وزعزعة استقراره. ومن مصر شارك الأزهر الهيئة رأيها واستنكارها. وفي الرأيين المؤتلفين دلالة إلى أن الإيمان الإسلامي يزدهر في كنف الدولة الحافظة أمن مواطنيها، فيما يتراجع الإيمان في أجواء الحروب الدينية والطائفية حيث يموت أبرياء وتتهدّم حواضر، ولا يبقى من ذرائع المتحاربين الدينية سوى أصوات القذائف وغبارها والرماد.
&