عبد الحليم الحجار: ذكر الباحث كايل أورتون إن «الديبلوماسي الإيراني فرزاد فرهنغيان الذي انشق إلى النروج في العام 2010 والمقيم حاليا في بلجيكا، أطلق اتهاما غير عادي مفاده أن جمهورية إيران الإسلامية تسيطر على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتستخدمه كجزء من حرب تديرها إيران ضد دول الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية». وكتب أورتون في مقالة نشرتها وسائل إعلام بلجيكية: «صحيح أن اتهامات فرهنغيان صارخة وغير معقولة (بالمعنى الحرفي للكلمة)، لكن السؤال المتعلق بدور إيران في خلق ونمو داعش، والتلاعب الإيراني بداعش من أجل تعزيز مصالحها، هو سؤال يستحق أن يُطرح».

وقال أورتون: «فرهنغيان أطلق اتهاماته في تدوينتين الكترونيتين منفصلتين، واحدة مؤرخة في 25 فبراير وواحدة في 16 مايو. وكان قد تم التعريف بفرهنغيان في تقارير إعلامية بوصفه الملحق الإعلامي (السابق) في السفارة الإيرانية في بروكسل. ويضيف حسابه الخاص إلى ذلك أنه كان مستشارا في وزارة الخارجية الإيرانية كما عمل في السفارات الإيرانية في كل من دبي والعراق والمغرب واليمن».

ويقول فرهنغيان، بحسب أورتون، إنه بعد اجتماعه مع عناصر من المعارضة الإيرانية في باريس، قضى 4 ساعات «مهمة» مع قائد رفيع المستوى في الحرس الثوري ترك منصبه منذ فترة، ويعكف حاليا على الترتيب لإقامته في الخارج كي يتمكن من أن يعلن عن انضمامه إلى المعارضة.

ويضيف فرهنغيان إنه كان يود من الناحية المثالية أن ينتظر حتى يصبح مسؤول الحرس الثوري على بر الأمان، لكنه شعر بأن ما كان لديه ليقوله كان أهم من أن ينتظر، موضحا إن ما قال مسؤول الحرس الثوري كان مدعوما بـ«وثيقة سرية وحساسة للغاية».

وكتب فرهنغيان ما يلي:

«أحد أخطر الأمور التي تم إبلاغي عنها بالصور والوثائق... كان أن تنظيم داعش تتم إدارته والسيطرة عليه من خلال غرفة عمليات عسكرية في مشهد في شمال غرب إيران، وأن تلك الغرفة تدار من خلال قادة استخبارات روسيين وإيرانيين رفيعي المستوى. والهدف هو خلق حال من الفوضى في العالم العربي بشكل عام وفي منطقة الخليج على وجه التحديد، وخاصة في المملكة العربية السعودية. فالنظام الإيراني لا يزال يعتقد ويسعى بكل الوسائل إلى إخضاع مكة المكرمة والمدينة المنورة لولاية الفقيه. ومن جهة أخرى فإن روسيا ترى أن ذلك الانتقام هو أمر حتمي ولا مفر منه، إذ أنها تعتقد أن السعودية لعبت دورا كبيرا في تفكيك الاتحاد السوفياتي وفي هزيمته في أفغانستان بعد أن دفعت المملكة أسعار النفط إلى الهبوط آنذاك، مما تسبب في إحداث انهيار اقتصادي في الاتحاد السوفياتي.

وتستخدم غرفة العمليات الروسية الإيرانية في مشهد أقمارا اصطناعية روسية لتقديم الدعم إلى داعش في خططه وتحركاته، وفي التكتيكات التي ينتهجها في عملياته، بالإضافة إلى توفير المعلومات الاستخباراتية حول طلعات التحالف الدولي التي تستهدف مواقع التنظيم».

ويقول فرهنغيان إن إيران تود أن «تجر الأردن ومصر إلى الحرب، بالاضافة إلى التسلل إلى الأراضي السعودية والكويتية،» منوها إلى أن إقامة بؤر لداعش في ليبيا وصحراء سيناء في مصر ما هو إلا تمهيد لإعلان إقامة «الدولة الإسلامية» في أرجاء شمال أفريقيا، وهي الدولة التي يمكن أن يتم استخدامها كنقطة انطلاق لشن هجوم على دول الخليج.

وفي الوقت ذاته، فإن إيران تسعى إلى «تطويق السعودية» من خلال «فتح جبهة على الحدود الشمالية للمملكة من خلال ميليشيات شيعية عراقية... لتخفيف الضغط على الحوثيين الموجودين في جنوب المملكة، وفي نفس الوقت سيقوم تنظيم داعش بتنفيذ أعمال إرهابية في داخل المملكة العربية السعودية خلال الأسابيع المقبلة».

إذا، فإلى أي مدى يُعتبر كل هذا الكلام موثوقا؟ الإجابة هي كما أشرنا آنفا: ليس إلى درجة كبيرة. فالمؤامرات التي بهذا الحجم والتعقيد لا تحدث ببساطة. ولكن ماذا عن فكرة أن إيران تستخدم داعش من أجل تعزيز طموحاتها الاستراتيجية؟ الأدلة حول هذا الأمر تبدو موحية.

ورغم أن إدارة أوباما تروج الآن لإيران كشريك في الحرب المناهضة لـ «داعش»، فإن كاتب هذه السطور لاحظ أخيرا أن أحد أسباب أن هذا الأمر لن ينجح هو أن ايران لا تريد هزيمة «داعش»، أو على الأقل ليس الآن. فإيران لديها حيازات استراتيجية في كل من العراق وسورية بالإضافة إلى «حزب الله» في لبنان.

لا يمكن لإيران أن تسيطر على جميع أهل السنة من خلال خلافة «داعش» بأي حال، كما أن وجود «داعش» يساعد على إبقاء العراق وسورية خارج نطاق التوازن - وهو الأمر الذي يمنح إيران الجيران الضعفاء الذين طالما أرادتهم – والتهديد الذي يشكله التنظيم يساعد على استمرار تهميش أي معارضة للهيمنة الإيرانية بين حكومتي بغداد ودمشق عندما يكون البديل هو الإبادة. لكن هذا ليس سوى وسيلة غير مباشرة ساعدت إيران التنظيم من خلالها على بناء قوته.

ومنذ البدايات الأولى في سورية، راهن نظام الأسد على سياسة الاستفزاز، والتي هي عبارة عن تكتيك تتقنه روسيا ويعتمد أساسا على السيطرة الاستراتيجية على الأعداء بهدف دفعهم إلى تشويه سمعة أنفسهم، وخلق مشاكل من أجل القيام بحلها. وقد قال الأسد إن التمرد في بلاده ليس سوى مؤامرة جهادية، وإنه خط الدفاع الأخير ضد جحافل الاسلاميين الذين يسعون إلى تدمير الأقليات. ثم أخذ الأسد ورعاته الإيرانيون والروس خطوات من أجل جعل ذلك الأمر حقيقة واقعة.

فبشار الأسد لم يكتف فقط بإطلاق يد السلفيين العنيفين - الذين أصبح بعضهم أمراء في صفوف تنظيم «داعش» - بينما استمر في اعتقال وقتل النشطاء العلمانيين، بل قام أيضا بـ«دعم المتطرفين في عملهم، وفي تشكيلهم لألوية مسلحة».

وخلال فترة الحكم الأميركي في العراق، عملت إيران دون كلل في سبيل سفك دماء القوات الأميركية التي كانت هناك، بما في ذلك تقديم الدعم المباشر إلى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين». وفي الواقع، فإن إيران كانت ضالعة في تشكيل تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين». فعندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في أواخر العام 2001، فر أبو مصعب الزرقاوي إلى إيران. ومن هناك، انتقل عبر العالم العربي مشكلا شبكات، ويُعتقد أنه تعاون مع أجهزة استخبارات الأسد لاغتيال ديبلوماسي أميركي في الأردن في العام 2002.

وعندما غزت الولايات المتحدة العراق في مارس 2003، فر الزرقاوي، الذي كان في البلاد منذ عام تقريبا، مع جماعة «انصار الاسلام» التي كان يتولى قيادتها - والتي أصبحت بعد ذلك جزءا من تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» عائدا إلى إيران.

وأمضى الزرقاوي وقته في إيران منهمكا في إعادة بناء شبكاته. وهناك مزاعم مفادها أن الزرقاوي تلقى تدريبات في معسكر تابع للحرس الثوري في مدينة مهران. وفي صيف العام 2003 انتقلت جماعة «أنصار الإسلام» مرة أخرى إلى العراق.

كما يقال على نحو منتظم إن الأنظمة العربية السنية تشكل عنصرا رئيسيا في نجاح تنظيم «داعش،» لكن هذا ليس صحيحا. فتنظيم «داعش» يمول نفسه ذاتيا بأموال النفط من نظام الأسد، ومن الآثار المسروقة، وفوق كل هذا من الأنشطة الإجرامية، وتحديدا الابتزاز أو «الضرائب» التي يفرضها على السكان الذين يسيطر عليهم. كما تم فعليا استبعاد الاتهام الذي مفاده أن تنظيم «داعش» هو صنيعة الحكومة السعودية: فوفقا لأقصى التقديرات، جاءت خمسة في المئة فقط من ميزانية «داعش» من تبرعات خليجية بين العامين 2005 و 2010.

وباختصار، فإن الموظف السابق في البيت الأبيض مايكل دوران كان محقا تماما عندما قال: «إيران وسورية لعبتا دورا أكثر خبثا في صعود تنظيم داعش من الدور الذي لعبته دول الخليج».

وقد كان هناك أعضاء بارزون من تنظيم «القاعدة»، بمن فيهم خالد شيخ محمد، اقاموا في إيران في أوقات مختلفة خلال عقد التسعينات، كما أن إيران دأبت على اتباع سياسة عامة تمثلت في عدم ختم جوازات سفر أولئك القادمين من أفغانستان وباكستان، وهي علامة منذرة بالنسبة إلى المسؤولين الأمنيين في الدول العربية.

وعلاوة على ذلك، فإن ما يصل الى نصف عدد طياري الموت الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانوا قد «سافروا إلى أو من إيران» وهناك أدلة على أن «مسؤولين كبارا في حزب الله كانوا يتابعون عن كثب تنقلات بعض أولئك الخاطفين المستقبليين إلى إيران في نوفمبر 2000».

كما أن شبكة «القاعدة» التي تتخذ من إيران مقرا لها لا زالت موجودة هناك. وتوضح عقوبات وزارة الخزانة الأميركية أن تنظيم «القاعدة» يرسل موارد من إيران إلى «جبهة النصرة» في سورية بالتواطؤ مع النظام الإيراني. وكثير من كبار أعضاء تلك الشبكة معروفون حاليا باسم «مجموعة خراسان».

والواقع أن الكيفية التي انتقل بها أولئك «الخراسانيون» من إيران الى سورية هي مسألة مثيرة للاهتمام، مثلما هو الحال بالنسبة إلى مصدر المعلومات التي استعملتها الولايات المتحدة عندما ضربت «مجموعة خراسان» في سبتمبر الماضي.