محمد خروب

ما كان مقرراً ان يلتئم في جنيف.. «يمنياً» اليوم الخميس، بات في حكم المجهول، وربما طيّ صفحته، بعد ان أعلن بان كي مون، أنه «يأمل» انعقاده في اقرب وقت ممكن ودون «شروط مسبقة»، وإذا كان الجزء الأول من العبارة يندرج في اطار اللغة الدبلوماسية التي يصعب على «موظف» مثله تجاوزها عند مقاربة الأزمات الخطيرة، الاقليمية او الدولية، على حد سواء، لأنه ليس طرفاً فيها (يُفترض ذلك بالطبع)، إلاّ ان الجزء الثاني من تصريحه يُنبئ عن وجود خلافات حادة بين الاطراف ذات العلاقة بالأزمة، سواء في ما خص الجهات التي ستُدعى للمشاركة في المؤتمر أم تلك التي تُصرّ اطراف فاعلة على استبعادها لاسباب عديدة، ليس أقلها حدة الصراع الاقليمي الآخذ في التعمق بين الرياض وطهران، فضلاً عن انعكاسات الاوضاع الميدانية على موازين القوى وطبيعة «الأوراق» التي يتوفر عليها اللاعبون، إن على جبهات القتال التي بدأت تأخذ اوضاعاً رتيبة وروتينية من القصف الجوي أو عبر الحدود، دون ان يملك أحد من طرفي الصراع القدرة او الامكانية على حسم الأمور لصالحه ام لجهة الجهود الدبلوماسية المبذولة على اكثر من ساحة وعبر اكثر من عاصمة، لحشر المحور هذا (او ذاك) في الزاوية وإجباره على التعاطي مع المسألة من موقع المهزوم او غير القادر على إعادة الأمور الى سابق عهدها، كما كانت في السادس والعشرين من آذار الماضي (بداية غارات التحالف التي حملت اسم عاصفة الحزم قبل ان تتغير الى عاصفة الأمل، ويبدو أنها ستدخل مرحلة ثالثة على ما صرح به العقيد عسيري الناطق باسم التحالف).

هل قلنا مرحلة ثالثة من الحرب الدائرة الان؟

نعم، هذا ما قاله الناطق باسم التحالف، ما يعني، وبصرف النظر عن طبيعة هذه المرحلة وبنك الاهداف «الجديد» الذي ستسحب منه طائرات التحالف خرائطها، فإن ذلك - إن تم - سيكون بمثابة دفن - ولو مؤقت - للحلول السياسية فضلاً عن كونه تصعيداً، يصعب التكهن عمّا إذا كان سيبقى في «الحدود» التي تمت المحافظة عليها حتى الان، بمعنى عدم انزلاق دول اقليمية، عربية وغير عربية، الى الحرب الدائرة، إضافة بالطبع الى الاحتمال الماثل بتغيير قواعد اللعبة من قبل الحوثيين وحليفهم الذي ما يزال قوياً ومؤثراً علي عبدالله صالح, الذي يشارك بفاعلية في الحرب الدائرة على اراضي الجنوب, بصرف النظر عن مدى صحة أو دقة الانباء التي تحدثت عن استعادة انصار عبدربه منصور هادي, لمدينة الضالع من ايدي الحوثيين والجيش, وهو «حدث» لم يُؤَكّد بعد, رغم أنه ايضاً لا يؤثر كثيراً في موازين القوى السائدة على الارض، والتي تميل الى صالح الحوثيين والجيش، يرافقها هشاشة وهزائم تلحق في صفوف ما يوصفون بالمقاومة الشعبية وخصوصاً في عدن, التي كان المعسكر المؤيد لهادي يأمل - ويعمل بدأب - لجعلها مقراً مؤقتاً له يستطيع من خلالها الزعم بأن للشرعية - التي يمثلها هادي كما يقولون - اراضٍ تُسيطر عليها, وهو ما لا يتوفر الان وبقي هادي في «المنفى» مع احاديث متواترة عن خلافات في صفوف مؤيديه (وهم قِلّة على أي حال) وينازعه نائبه خالد بحاح، الرأي والتمثيل والمكانة, وهو أمر يبدو أن اطرافاً اقليمية تحول دون ظهوره على العلن، في انتظار توقيت مناسب لاطاحة أو استبعاد هادي لصالح بحاح, ليس فقط لأن هادي ضعيف وورقة محروقة لا قيمة لها في لعبة الاوزان والاحجام الدائرة الان, وانما ايضاً لأن خالد بحاح «حضرمي» وحضرموت هي المرشحة لأن تكون المكان المؤقت للحكومة التي يرعاها التحالف.

ماذا عن شروط هادي؟

جنيف اليمني الذي كان مقررا افتتاحه اليوم 28/5, لم يُعقد لأن الشروط التي وضعها عبدربه منصور هادي لم تكن مقبولة على الاطراف الاخرى وفي مقدمتهم الطرف القوي «انصار الله», وبالتالي فإن هادي لم يكن ليضع شروطاً كهذه لولا الدعم الذي تلقاه من القوى والدول الراعية له, كون الرجل لا يملك شيئاً فعلياً، سوى ما بات يوصف «بالشرعية» وهي شرعية موضع خلاف بين الاطراف اليمنية ذاتها.. ولأن لا احد بمقدوره وضع «شروط» ما دام لم يحسم الوضع الميداني لصالحه, فإن مجرد وضعها لا يخرج عن كونه مناكفة أو كيد سياسي أو رغبة بعدم التئام المؤتمر, بعد أن وجدت بعض الاطراف نفسها في وضع حرج, لأن الأمم المتحدة مدعومة من واشنطن خصوصاً, رأت ان مؤتمراً برعايتها هو المؤهل للنجاح أو لمنع امتداد الحريق اليمني الى ساحات ودول اخرى, قد يبدأ البعض اشعالها، لكنه لا يعرف متى (أو لا يملك) قرار اطفائها.

اليمن سائر الى مزيد من الدمار والخراب، واحتمالات الحل السياسي تبدو بعيدة، أقلها في المدى القريب, و»دبلوماسية الشروط» محكومة بالفشل, لأن ما كان واضحاً أو مقدراً ليلة بدء عاصفة الحزم, يبدو الان غامضاً ومتلبساً ومفتوحاً على احتمالات كارثية لن ينجو منها أحد في هذه المأساة الجديدة, التي أضيفت الى مسلسل الكوارث التي تجتاح «الساحات» العربية.. منذ اربع سنوات.