هشام ملحم

نجاح تنظيم "الدولة الاسلامية" في احتلال مدينتي الرمادي وتدمر في العراق وسوريا خلال اسبوع واحد، كشف من جملة ما كشفه محدودية القوة الجوية الاميركية، وكذلك حقيقة عدم وجود استراتيجية اميركية تسعى الى هزيمة "داعش" ليس فقط في العراق ولكن ايضا في سوريا. لكن هزيمة "داعش" تقتضي وجود قوات برية تنسق مع الحملة الجوية. المعضلة الاميركية في العراق هي ان الجيش النظامي غير فعال وغير متماسك وفاسد وقيادته مذهبية شيعية ويعاني مشاكل بنيوية شأن جميع المؤسسات الحكومية العراقية. القوة البرية الفعالة هي الميليشيات الشيعية التي تدربها وتساهم في قيادتها ايران.

المعضلة الاميركية في سوريا، هي ان واشنطن لم تستثمر بجدية وبصدق في تطوير قدرات المعارضة السورية المناوئة لـ"داعش" و"جبهة النصرة"، لكي تجبه نظام بشار الاسد و"داعش" معاً. الاميركيون يتولون الآن رعاية برنامج تدريبي محدود لمواجهة "داعش". لكن الهدف الرئيسي للمعارضة السورية المسلحة هو محاربة النظام السوري قبل التفكير في مواجهة التنظيم والجبهة. وبعد النكسات الميدانية الاخيرة التي مني بها نظام الاسد، أبدى المسؤولون الاميركيون قلقهم من احتمال انهيار النظام السوري بسرعة وملء القوى الاسلامية الفراغ الناتج من الانهيار. وما لا يريد ان يعترف به البيت الابيض هو ان هزيمة "داعش"

في سوريا، تقتضي التخلص من الجاذب الاساسي للتنظيم، أي النظام السوري وممارساته المذهبية التي ساهمت في تعزيز التيارات الاسلامية السنّية المتطرفة وجذبها الى سوريا.

انهيار الدفاعات العراقية في الرمادي، بعد اقل من سنة من انهيارها في الموصل، عمّق مشاعر الاحباط في واشنطن. وزير الدفاع آشتون كارتر الذي تحدث بصراحة عن غياب "الارادة العراقية" لقتال "داعش" كان يعبر عن مشاعر احباط تسود واشنطن. ومحاولات البيت الابيض لاحقا تفسيرها بطريقة تغطي عمق الاحباط والاستياء لا تخفي حقيقة ان البيت الابيض هو في مأزق حقيقي كان اوباما قد عبّر عنه في مقابلته مع مجلة "ذي اتلانتك" حين قال: "اذا كان العراقيون غير مستعدين للقتال من اجل أمن بلادهم فاننا غير قادرين على ان نحقق ذلك لهم".

بعد تسعة أشهر من بدء الحملة الجوية، التي تكلف واشنطن 9٫8 ملايين دولار يوميا (2٫44 ملياري دولار حتى الآن) وبعد انفاق 25 مليار دولار على تدريب الجيش العراقي، وبعد نشر نحو ثلاثة آلاف عسكري ومستشار اميركي في العراق، تشعر واشنطن باحباط أكثر لأنّ الميليشيات الشيعية التي سمت حملتها على "داعش" في الرمادي "لبيك يا حسين"، (بدلا ربما من لبيك يا عراق؟) هي التي ستسعى الى استرداد المدينة وليس الجيش العراقي الهش.