رياض نعسان أغا

قديماً قيل «كل الطرق تؤدي إلى روما»، لكنها اليوم تؤدي إلى جنيف، وما تزال وثيقة جنيف حول حل سياسي للقضية السورية معتمدة وقابلة للتنفيذ ويسعى «ديمستورا» بعد مشاوراته أن يمهد الطريق إلى جنيف 3. لكن النظام السوري يرفض القبول بها لأن فيها نهايته، وهو يقدم نفسه شريكاً أساسياً في محاربة الإرهاب، وبخاصة ضد تنظيم «داعش» على رغم أن النظام السوري سلمه الرقة وتدمر، واشترى منه النفط! والعجب أن تبدو «دولة داعش» قوية إلى درجة لا يتمكن التحالف الدولي من صدها أو إيقاف زحفها على رغم أن جيوشها كانت تتقدم مكشوفة في أرض خلاء وعلى مدى مئات الكيلومترات! وسيحتاج العالم بقواه الكبرى إلى سنين طويلة كي يحقق انتصاراً عليها، وهي تتحداه وتعلن أنها باقية وتتمدد!

&

والحقيقة أن ما يحدث بات أقرب إلى ما يسمى «التراجيكوميديا» وعنصر التراجيديا نراه في أبشع صوره في أفلام «قطع الروؤس» فقد اعتاد العالم على رؤية سياف يقطع الرؤوس! ولا يخفى على أحد أن وصول «داعش» إلى مقربة من حمص ربما يفتح له الطريق إلى دمشق حيث ينتظره «جيش الإسلام» المتأهب لقتاله، وقد تشترك «جبهة النصرة» في قتالهما معاً، وقد يكتفي العالم بالتورية الشهيرة «فخار يطبش بعضه»! والمهم أن مؤتمر جنيف 3 الذي يتم الإعداد له بدءاً من لقاءات باريس في مطلع يونيو القادم، لا يتضمن رؤية حل سريع لمشكلة «داعش» فمصيرها مؤجل لعقد قادم وربما لعقود حسب تصريحات قادة التحالف الغربيي! فهم غير مستعجلين، وربما هم مذعنون لتقبل ازدياد عدد الرؤوس التي ستقطع على أبواب حمص أو دمشق، وربما يفاجئنا «داعش» باحتلال حلب التي باتت ركاماً يسهل أن تتم السيطرة عليه، ولن يقبل «جيش الفتح» ذلك والأرجح أن يخوض معركة ضد «داعش».

والمجتمع الدولي يطالب بضمان مستقبل الأقليات وحمايتها، ولكن لا أحد يتكلم عن ضمان أمن للأكثرية المسحوقة التي دفعت ثمناً باهظاً لخجلها التاريخي من إعلان كونها تنتمي مذهبياً إلى السنة، وهي التي ابتعدت عن هذه التصنيفات المذهبية منذ الثورة العربية الكبرى على العثمانيين وأعلنت انتماءها إلى العروبة وإلى سوريا الدولة المدنية الجديدة يومذاك. وحين ثارت على الانتداب الفرنسي عززت انتماءها الوطني بتنوع وتعدد مذاهب وأعراق قادتها، واعتزت بأن فيهم إبراهيم هنانو الكردي وصالح العلي العلوي وفارس الخوري المسيحي ومنحت منصب قيادة الثورة السورية لسلطان باشا الدرزي. وحين اندلعت الثورة الراهنة كان أول نداء فيها «الشعب السوري واحد» وتعلق السوريون بوحدتهم ورفعوا علم الاستقلال، وأصروا على نبذ الطائفية والمذهبية والإثنية ولكنهم وجدوا جيوشاً تزحف من لبنان ومن العراق تحمل رايات الثأر التاريخي للحسين! وتصرخ بأن زينب لن تسبى مرتين! وكأن الثورة قامت ضد زينب! وتحول المشهد للأسف إلى صراع طائفي، وكان ظهور «داعش» مصنوعاً ومسرحياً، وبدت مهمته تقديم صورة قاتمة عن أهل السنة، وتصويرهم بأنهم قاطعو رؤوس! والمفارقة أن أكثر الرؤوس التي قطعت هي رؤوس أهل السنة في سوريا والعراق.

والمفجع اليوم أن يكثر الحديث في الأروقة السياسية الدولية عن التقسيم ضماناً لأمن طائفة، وهذا الحل سيكون سبباً لاستمرار الحرب وتصاعد العنف، فلن يقبل السوريون أن يروا بلدهم ممزقاً إرضاء لفئة أو لطائفة. وأية قسمة منصفة تبقى من سوريا بعد أن سيطر «داعش» على نصف مساحتها، وفيها الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والفوسفات والماء والزراعة. ثم تقتطع منها محافظات حمص واللاذقية وطرطوس وقد تمتد من القلمون إلى البقاع وربما إلى الضاحية جنوب لبنان! وأعتقد أن من يرون المستقبل من العلويين لن يقبلوا بهذا الحل الذي يعزلهم عن شعبهم، وأما التخوف من الثأر والانتقام والقلق على أمن الأقليات فلن يجد مبرراً حين يتحقق حل عادل يرضي الشعب، وتبدأ مرحلة انتقالية تؤسس لدولة مدنية يشارك فيها السوريون جميعاً على مبدأ المواطنة دون تفتت طائفي أو عرقي، وهذا ما ستجتمع عليه القوى السورية كلها في مؤتمر الرياض الذي نتفاءل بأن يقدم رؤية عملية للحل.
&